تويت
خبر أبي هريرة عن: أن موسى قد فقأ عين ملك الموت
إعداد:باحث سلفىروى البخاري ومسلم من طريقين عن أبي هريرة:
الأول: طريق عبدالرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن طاوس عن أبي هريرة موقوفًا لم ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم:
قَالَ أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ[أي فقأ عينه]
فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ: أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ
فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ عَيْنَهُ وَقَالَ: ارْجِعْ فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ[أي ظهر] فَلَهُ بِكُلِّ مَا غَطَّتْ بِهِ يَدُهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ
قَالَ: أَيْ رَبِّ ثُمَّ مَاذَا؟
قَالَ: ثُمَّ الْمَوْتُ.
قَالَ: فَالْآنَ، فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُدْنِيَهُ [يقربه] مِنْ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ
قَالَ[أي أبي هريرة] قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ [أي هناك]لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ [التل الرملي الأحمر].
[لم يرفع إلا جزء من الحديث هو موضع قبر موسى عليه السلام].
الثاني: طريق عبدالرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة مرفوعًا بنحوه.
وقد علق هذه الرواية البخاري في صحيحه. حيث قال البخاري: قَالَ [أي عبدالرزاق] وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ.
قلت: يرمز البخاري إلى أن الخبر ليس على شرطه وأن الوقف أقرب إليه من الرفع.
يدلك على قوة مذهب البخاري ما قاله المزي في تهذيب الكمال: وقال أبو الحسن الميموني سمعت أحمد بن حنبل يقول في صحيفة همام إن معمرا أدركه قد كبر ووقع حاجباه على عينيه وأدرك أيام السودان فقرأ عليه همام حتى إذا مل أخذ معمر فقرأ عليه الباقي وعبد الرزاق لم يكن يعرف ما قرئ عليه مما قرأ هو".
"وقال في موضع آخر قال لي أحمد بن حنبل همام بن منبه روى عنه أخوه وهب بن منبه وكان رجلا يغزو وكان يشتري الكتب لأخيه وهب فجالس أبا هريرة بالمدينة فسمع منه أحاديث وكان قد أدرك المسودة (1) وسقط حاجباه على عينيه وهي نحو من أربعين ومئة حديث بإسناد واحد ولكنها مقطعة في الكتب وفيها أشياء ليست في الأحاديث".
وروى الخطيب البغدادي في تاريخه بإسناده عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال سمعت عليا يعني بن المديني يقول أصحاب أبي هريرة هؤلاء الستة سعيد بن المسيب وأبو سلمة والأعرج وأبو صالح ومحمد بن سيرين وطاوس وكان همام بن منبه يشبه حديثه حديثهم إلا أحرفا.
قلت: يقصد إلا بعض الكلمات التي قد يدرجها همام.
والخلاصة في همام بن منبه، أنه لا بأس به إذا وافق حديثه حديث الثقات الأثبات.
وسبب رواية البخاري لهذا الخبر قد تبين لنا من ترجماته في بابين في صحيحه:
الأول: بَاب مَنْ أَحَبَّ الدَّفْنَ فِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ أَوْ نَحْوِهَا
الثاني: بَاب وَفَاةِ مُوسَى وَذِكْرِهِ بَعْدُ
في كلتي الترجمتين، يستدل بالجزء المرفوع دون الموقوف.
وعمومًا روي هذا الخبر من الطريقين السابقين، وهناك طرق أخرى خارج الصحيحين كما في مسند أحمد أذكرها كالتالي:
الطريق الثالث: قال أحمد حدثنا حسن حدثنا بن لهيعة حدثنا أبو يونس عن أبي هريرة قال أبي لم يرفعه
وهو طريق فيه ابن لهيعة ضعيف. وإن كان يقوي الوقف.
الطريق الرابع: أحمد في مسنده بإسناده عن حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة مرفوعا.
وعمار هذا لا بأس به يخطيء في الحديث وقد زاد في الحديث بما لم يتابع عليه:" كان ملك الموت يأتي الناس عيانا "[كما ذكر شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند] .
فالراجح عندي أن حديث فقأ عين ملك الموت موقوف على أبي هريرة سوى ما ذكر عن موضع قبر موسى عليه السلام
خصوصًا أن طاوس بن كيسان هو من الأثبات في أبي هريرة، وأن همام بن منبه وعمار بن أبي عمار في درجة أقل منه ناهيك عن كون تلقي معمر بن راشد منه كان في زمن قد كبر فربما أخطأ في رفع الحديث وهو موقوف، ناهيك عن موافقة أبو يونس لطاوس بن كيسان في الوقف وهو في درجة همام وعمار وإن كان من طريق بن لهيعة.
ويؤكد رفع الجزء الأخير فقط، ما رواه مسلم في صحيحه: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:« أَتَيْتُ - وَفِى رِوَايَةِ هَدَّابٍ مَرَرْتُ - عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِى عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّى فِى قَبْرِهِ».
تنبيه: قال الآجري في الشريعة: حدثنا أبو محمد عبد الله بن العباس الطيالسي قال: حدثنا إسحاق بن منصور الكوسج قال: قلت لأحمد- يعني ابن حنبل - :ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة، حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى السماء الدنيا أليس تقول بهذه الأحاديث؟
ويراه أهل الجنة ، يعني ربهم عز وجل؟
ولا تقبحوا الوجه فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته،
و اشتكت النار إلى ربها عز وجل حتى وضع فيها قدمه،
و إن موسى لطلم ملك الموت،
قال أحمد : كل هذا صحيح.
قلت: المتتبع لهذا الأثر عن أحمد بن حنبل في المصنفات المروية عنه، يجد أن هذه الأسئلة التي وردت عنه يجدها مقطعة كل جزء لوحده يقول فيها: صحيح. انظر لكتاب: المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة.
لكن الجزء المتعلق بحديث إن موسى لطم ملك الموت، فقد ورد فيه روايتين عنه: قال الفراء في كتابه إبطال التأويلات: وقد قَالَ أحمد فِي رواية ابن منصور ومنها: "الحديث صحيح" وَقَالَ فِي رواية ابن القسم: "نحن نقر به ونصدقه عَلَى مَا جاء فِي الأحاديث"
قلت: وفارق ما بين الروايتين على التحقيق.
تنبيه:
نحن لا نجد في متن خبر أن موسى عليه السلام قد فقأ عين ملك الموت، نكارة توجب رده أو بطلانه، لكن الصنعة الحديثية ترجح وقفه على أبي هريرة لا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يثبت العكس وإلا لو ثبت رفعه: فما استنكره البعض على الخبر من فقأ عين ملك الموت، قد رده العلماء في شروحاتهم على الحديث : بجريان السنن والقوانين الكونية على الملك عند تمثله بصورة البشر من لحم ودم عصب. وأن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو أدم.بالتالي يجري عليها فقأ العين.
وأن موسى قد ظن أنه بشري قد دخل بيته دون استئذان فاستحق فقأ العين. كما ورد في السنة. لا أنه قد رفض الموت كما فهم ملك الموت نفسه أو فهم الناس.
وأن الله عزوجل يخير الأنبياء دون باقي البشر بين الوفاة ومد العمر، كما حدث مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد سبق الله في علمه السابق أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم والنبي موسى إذا خيروا بين الموت ومد العمر أنهم سيختارون لقاء الله عزوجل على مد العمر،
ومد العمر لباقي البشر ثابت في السنة كما روى البخاري ومسلم: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ.
ومعنى ينسأ له أي يزاد له في عمره [على ما ورد في روايات أخرى من الحديث بلفظ خارج الصحيحن:من أحب أن يمد له في عمره ].
ناهيك عن ثبوت مد الحياة لبعض المخلوقات بعد الإماتة في كتاب الله عزوجل [...فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)} البقرة،
ولهذا نظائر في كتاب الله تدفع المتبادر من قوله تعالى {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف 34 والنحل61]
ومعنى الأية الصحيح: أي إذا جاء أجلهم الثابت في أم الكتاب[اللوح المحفوظ]لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، وهذا واقع مع الأنبياء وغيرهم فإذا خُير النبي عليه السلام بين الوفاة والمد فاختار المد، فإذا انتهت مدة المد [وهذا مكتوب في أم الكتاب] فلا يمكن له أن يستأخر ساعة ولا أن يستقدم ساعة عن ساعته.
فإن الله عزوجل قد قال {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39)} الرعد.
فإن الله يمحو ويثبت ما يشاء من التقديرات اليومية والأسبوعية والسنوية بحسب أعمال الناس [كصلة الرحم] ودعائهم أما ما في أم الكتاب [اللوح المحفوظ] لا يتبدل ولا يتغير أي أن اللوح المحفوظ هو التقدير النهائي الذي قدره الله عزوجل قبل خلق السموات والأرض روى مسلم في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلاَئِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ - قَالَ - وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ».
روى البخاري ومسلم في صحيحهما واللفظ للبخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ وَدَرَكِ الشَّقَاءِ وَسُوءِ الْقَضَاءِ وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ. [قَالَ سُفْيَانُ الْحَدِيثُ ثَلَاثٌ زِدْتُ أَنَا وَاحِدَةً لَا أَدْرِي أَيَّتُهُنَّ هِيَ]
قلت: يستفاد من التعوذ من جهد البلاء وسوء القضاء أن الدعاء قد يرد البلاء أو القضاء السيء قبل وقوعه.
الخلاصة: خبر فقأ عين ملك الموت، قد روي موقوفًا من إسنادين وروي مرفوعًا من إسنادين وقد ترجح الوقف وقد رمز البخاري لقوة الوقف، بتعليق رواية الرفع، ولا يوجد في الخبر نفسه نكارة توجب إبطاله كما سبق وبينا .
والله أعلم.
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) معنى المسودة قد بينه ما قاله الإمام الذهبي -رحمه الله- في تذكرة الحفاظ: وفي عصر هذه الطبقة تحولت دولة الإسلام من بني أمية إلى بني عباس في عام اثنتين وثلاثين ومائة فجرى بسبب ذلك التحول سيول من الدماء , وذهب تحت السيف عالم لا يحصيهم إلا الله بخرسان والعراق والجزيرة والشام , وفعلت الخرسانية الذين هم المسودة كل قبيح , ولا حول ولا قوه إلا بالله.
تعليق