إلى الإيمان.. من جديد

تقليص

عن الكاتب

تقليص

دكتور أزهري مسلم اكتشف المزيد حول دكتور أزهري
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • دكتور أزهري
    مشرف شرف المنتدى
    • 19 ينا, 2007
    • 702

    إلى الإيمان.. من جديد

    إلى الإيمان.. من جديد

    د. سلمان بن فهد العودة



    "يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا..."، آمِــنوا من جديد.. بالله وأسمائه وصفاته؛ فإن الإيمان بالله هو قلب الحياة وضميرها، فالذين آمنوا بالله زادهم هدى وآتاهم تقواهم، وفي هجير الحياة ورمضائها يجد المؤمنون في اللجوء إلى الله عز وجل وعبادته ظلا ظليلا، عوضًا عن حـَـرور المعيشة والحياة، ويجدون في الإيمان حياةً قائمة عوضًا عن موت الحس والقلب.

    ويجدون عند بابه بَصَر الحق والنور عوضًا عن عمى الضلالة والظلمات {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ... } سورة فاطر .

    فعباد الله المؤمنون يتذوقون في اللجوء إلى الله عذوبة النجوى واللغة، فهو ملجؤهم وأنيسهم، فيقول قائلهم وهو في غمرة التعب والنصب:

    منطرحًا أمام بابك الكبير..

    أصرخ في الظلام أستجير..

    يا راعي النمال في الرمال..

    وسامع الحصاة في قرارة الغدير



    فتخيّـل هذا القلب المهزوز المرتبك، ينادي ربه أن يهبه الحياة والصحة والرضا، بعد أن طال بـُعده عن ربه، وتاهت به الدروب، وأنهكته الخطوب.

    إن الدعوة للإيمان تشمل حتى أولئك المؤمنين الذين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم، أمثالنا، وبعد ما أنزل عليهم الكتاب فاختلفوا، وأرهقهم الجدل الكلامي عن حقيقة الإيمان والحياة والعمل: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ...} سورة الحديد أية 16 .

    سجود القلب لله

    إن الإيمان هو دوام الحب لله، والتصديق به، واللهج بذكره، ودوام سجود القلب لله..

    سئل بعض السلف: هل يسجد القلب؟

    قال: نعم، يسجد سجدةً لا يقوم منها إلى يوم القيامة.

    وهذا الإيمان يعطي الأحياء قانون الحياة وتعاليم البقاء، ويعودهم على الشجاعة الحقيقية في معركة الحياة، كما يقول أحد شعراء النضال الفلسطيني:

    هاتوا أياديكم..

    فمعركة البقاء تريدكم جندا..

    ومعركة الرجوع..

    الموت للغر المغامر والجبان..

    والمجد للبطل الذي يتحمل الصدمات



    فالإيمان بالله هو الكفاح في معركة البقاء والوجود، والعمل في سبيل الله، والكر والفر، والإقدام والرجوع، وأما حصر الإيمان والتعبد في الأداء النسكي المحض من الشعائر التعبدية المحضة؛ كالصلاة، والصوم فقط، فهو قضاءٌ على شطر كبير من حقيقة الإيمان والعبادة، وهذا المفهوم الذي يعزل بين العمل العام وبين الإيمان والعبادة غريبٌ عن روح الإسلام ومقاصده وثوابته، بل هو إرث كنسي مسيحي متعلق بظروف التاريخ الغربي ومشاكله الخاصة.

    فالإيمان والتعبد في الإسلام يضيف إلى كنفه كل أشكال العمل الخيـّر والنفع الذي قصد به وجه الله تبارك وتعالى، يقول الله تعالى: " قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) " سورة الأنعام .

    وقد نسمع كثيرًا من يتحدث عن الخاتمة الحسنة، فيذكر من مات وهو ساجد، أو وهو قائم يصلي، أو نحوه، وهذا من حسن الخاتمة دون شك، إنما ليست محصورة في ذلك، فلماذا لا نثني- مثلاً– على من مات وهو مجتهد في حقله ومزرعته، ونعد ذلك من حسن الخاتمة، أو من يعمل حتى يكفي نفسه وزوجته وأولاده ووالديه من العيش الحلال؟.

    لماذا لا نثني على من مات وهو منهمك في إبداع أو اختراع أو ابتكار؛ يخدم من خلاله الإسلام والمسلمين؟.

    لماذا لا نثني على من مات وهو منشغل في وظيفته التي من خلالها يقوم بواجبه تجاه أمته ومجتمعه، ويطلب العيش الكريم الحلال؟.

    لماذا نظن أن الشيء الذي ينبغي الثناء عليه فحسب هو جانب التعبد المحض، دون جوانب الحياة المختلفة التي كأنها معزولة أو بعيدة؟.

    يروى في الحديث (إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها)، والموت هو القيامة الصغرى، فالحديث يجعل العمل والحياة والزرع أداءً لحق الله؛ لأن هذه الفسيلة المغروسة ليس فيها أي نفع دنيوي بعد أن تقوم القيامة.

    والأنبياء -عليهم السلام- حين يدعون للإيمان فهم يدعون للحياة والعمل، حين يقولون: "اعبدوا الله ما لكم من إله غيره"، وكانوا يعيشون الحياة كلها بشكلها الطبيعي، يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، بل ويعدون الناس بخيرات الحياة، أو يلفتون أنظارهم لها، { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) } سورة نوح .

    وجَعَـل الإسلام مفهوم الإيمان يشمل كل ضروب الحياة؛ من الضمير إلى أدنى الأعمال (الإيمان بضع وسبعون-أو: وستون- شعبة، أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) وقدّم تصنيفًا واسعًا مرنًا للإيمان؛ فجعل السلام صدقة، وإصلاحَ ذات البين صدقة، وإعانةَ المحتاج، وتخفيفَ المعاناة عن المصابين، بل حتى الشهوةَ الجنسية، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيه أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر). أخرجه مسلم.

    وتاريخ الإسلام والإيمان هو تاريخ العلم والعمل والحضارة والثقافة، وتاريخ العلماء الفقهاء جنبًا إلى جنب مع تاريخ العلماء المبدعين؛ عاشوا في جوٍ واحد، وكانت مسئولية الحاكم المؤمن حماية المجتمع وتطوير كل ألوان العلوم، دون أن يفتعلوا انقسامًا في عقل الإنسان وضميره وعقله بين العبادات المحضة والأعمال الدنيوية النافعة، وبين المصالح العامة.. فكل ذلك لوجه الله وفي سبيله، وصدق الله: { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) } سورة الأنعام .


    --------------------------------------------------------------------------------

    المقال منقول عن موقع "الإسلام اليوم".
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 2 نوف, 2020, 02:10 م.
    اعرف دينك
    {"data-align":"center","data-size":"custom","data-tempid":"temp_8603_1597326224273_205","height":"64","width":"308"}
    دينك دين عظيم جدا تجاوزت عظمته حدود الإدراك والتخيل ويكفيك شرفا أنك مسلم فقل الحمد لله الذي جعلني من المسلمين


    يا ربُّ ، ألق على العيونِ السَّاهرةِ نُعاساً أمنةً منك ، وعلى النفوسِ المضْطربةِ سكينة ، وأثبْها فتحاً قريباً. يا ربُّ اهدِ حيارى البصائرْ إلى نورِكْ ، وضُلاَّل المناهجِ إلى صراطكْ ، والزائغين عن السبيل إلى هداك
  • فلسطيني صابر
    0- عضو حديث
    • 30 ديس, 2007
    • 22

    #2
    ارجو منك كتابة الحركات على الآيات الكريمة حتى لا يتلف المعنى وجزاك الله خيرا
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد شبانه; 2 نوف, 2020, 02:10 م.

    تعليق

    مواضيع ذات صلة

    تقليص

    المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
    ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 18 ينا, 2021, 05:31 ص
    ردود 2
    155 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة *اسلامي عزي*
    بواسطة *اسلامي عزي*
    ابتدأ بواسطة د. نيو, 27 نوف, 2020, 06:25 م
    ردود 4
    87 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة د. نيو
    بواسطة د. نيو
    ابتدأ بواسطة أحمد محمد أحمد السبر, 23 يول, 2020, 06:53 م
    ردود 0
    56 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة أحمد محمد أحمد السبر
    ابتدأ بواسطة عاشق طيبة, 20 ديس, 2019, 11:46 م
    ردود 3
    79 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة عاشق طيبة
    بواسطة عاشق طيبة
    ابتدأ بواسطة دكتور أشرف, 21 يون, 2019, 12:57 ص
    ردود 4
    106 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة دكتور أشرف
    بواسطة دكتور أشرف
    يعمل...