## ترجمة كتاب " أصول مسيحيه " لعالم اللاهوت الألمانى أوتو فليدرر ##

تقليص

عن الكاتب

تقليص

أويس القرنى مسلم اكتشف المزيد حول أويس القرنى
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ## ترجمة كتاب " أصول مسيحيه " لعالم اللاهوت الألمانى أوتو فليدرر ##

    السلام عليكم :

    حرصا على الإرتقاء بمستوى المسلمين فى فهمهم للمسيحيات , نويت بإذن الله أن أضع لكم ملخصا لكتاب ممتع لعالم اللاهوت الألمانى أوتو فليدرر , هو كتاب " أصول مسيحيه " , و ما سأضعه ليس ترجمه لكل الكتاب , و لكنه ملخص , و من أراد أن يطالع الكتاب بالكامل فليراجعه فى نسخته الإنجليزيه , و لكن أعتقد أن الملخص سيكون كافيا لأفكار الكتاب بإذن الله .

    و سوف أضع الملخص هذا على أجزاء متتاليه بإذن الله .

    و أهيب بكل الإخوه أن يطوروا من معرفتهم بالمسيحيات , و أن يعتمدوا على المراجع العلميه , و أن يكثروا من القراءة فيها , سائلين الله أن يجعل كل هذا فى خدمة الدين , اللهم آمين


    و فى البدايه أعطيكم نبذه مختصره عن العالم الألمانى أوتو فليدرر :


    أوتو فليدرر ( سبتمبر 1 , 1839 - يوليو 28 , 1908 ) كان لاهوتيا ألمانيا بروتستانتيا .... ولد فى " ستيتين " ( الآن جزء من كيرنين , بادن-فوتمبرج ) فى فوتمبرج ..... من عام 1857 الى 1861 درس فى جامعة " تيبينجين " تحت " ف . س . باور " و بعد ذلك فى إنجلترا و اسكتولندا .

    فى عام 1870 صار القس الرئيسى و مدير الجامعه فى " جينا " و بعد ذلك فورا أستاذا مراقبا لعلم اللاهوت , و لكن فى عام 1875 دعى ليشغل كرسى اللاهوت النظامى فى برلين , و صنع اسمه من خلال عدد من المقالات عن نقد العهد الجديد و اللاهوت اليوحناوى و البولسى .

  • #2
    المقدمه :



    إن هذا الكتاب لم يكتب للقانعين بإيمان الكنيسه , فمثل هذا الكتاب قد يجرح مشاعرهم



    الباب الأول : الإعداد و تأسيس المسيحيه :



    الفصل الأول : الإعداد للمسيحيه فى الفلسفه اليونانيه :








    يقول افلاطون , أن المحرك الأول خلق العالم لأنه صالح , و أراد أن يكون الكل شبيها به بقدر الإمكان , و لهذا خلق العالم على صورته , المخلوق الأجمل و الأكمل , و ابنه الوحيد المولود الذى صار الها منظورا . إن فرضية أن العالم كائن حى له روح , و أن هذه الروح تتخلل كل شىء و أنها الصوره المباشره و الانبثاق من الله , مكنت أفلاطون أن يصف العالم بأنه " الله الثانى " و " الإبن الوحيد المولود من الآب " و " المحرك الأساسى للعالم " , و هى الفكره التى نلاحظ فيها أحد بذور عقيدة التثليث اللاحقه .





    يقول أفلاطون فى نقطة أخرى أنه ينبغى أن ننظر للرجل المستقيم على أنه رجل سعيد , حتى لو كان يعيش فى شقاء و تعاسه , و ينبغى أن ننظر للرجل الشرير على أنه غير سعيد , حتى لو توارت خطيته عن كل العالم , و لهذا السبب يرفض أفلاطون أن يبذل الخير للأصدقاء و الشر للأعداء , فلا يمكن للبار أن يرغب فى أذية أحد سواء كان صديقا أو عدوا , و نرى فى هذا كيف اقترب هذا الرجل اليونانى الحكيم من أخلاقيات الإنجيل بخصوص هذا الموضوع .




    و كذلك يرى أفلاطون أن الطبقه العليا الثريه تتميز بالحكمه , بينما على الطبقه الدنيا أن ترضى بما لديها , و لكن الإنجيل على العكس من هذا يبشر بملكوت الله القادم الذى ستسكب فيه النعمة على الجميع , بما فى ذلك الفقراء و الجهال و الثقيلى الأحمال .





    أما عن الفلسفه الرواقيه التى نشأت فى القرن الثالث قبل الميلاد بواسطة " زينو " و " كريسبوس " فقد كانت أهم إعداد للمسيحيه , و بعكس الثنائيه التى وجدناها عند أفلاطون , فقد رجع الرواقيون الى وحدة الوجود التى قال بها " هيراكليتوس " , و أدمجوا معها الفرديه الصارمه للفلاسفه الكلبيين بروحها المتحرره .





    و يقول " سنيكا " الفيلسوف الرواقى فى جانب آخر من فلسفتهم : إن الله يعامل الانسان الصالح بشكل أبوى , و حتى نقتدى به لا بد أن نعطى حتى لناكرى الجميل , لأن الشمس تشرق على الكافر , و الريح لا تهب على الخيرين فقط , و المطر يسقط على حقول من يجدفون على الله . إن عبادة الله لا تحتاج الى صور و هياكل , لأن الله قريب منك و معك و فيك , ففينا تسكن الروح القدس ..... ليس من المدهش أن هذا الكلام أوجد انطباعا عند البعض أن " سينيكا " قد قابل يسوع المسيح , و لكن هذا غير صحيح بدون شك , و هذه التعبيرات التى خرجت من هذا الفيلسوف الرواقى لها أهمية كبيرة عند المؤرخ لأنها لم تعتمد على الأناجيل المسيحيه , و لها أهمية كبيره كذلك كشهاده على النمط الدينى الأخلاقى الذى كان منتشرا فى العالم اليونانى - الرومانى فى تلك الأيام , و الذى له صلة وثيقه بالنمط المسيحى , مما أعد التربه الأمميه للأناجيل .






    لقد وجدت فى أخلاقيات العالم اليونانى - الرومانى فى تلك الأيام رابطة الأخوه بين كل الناس , بغض النظر عن الرتبه أو الجنسيه , و من هذا تحرك الدافع لمحبة الإخوه فى الانسانيه , و للإنسانيه ( و كان الرواقيون هم أول من استخدم كلمة humanitas وفق هذا المعنى ) .





    كان لدى الرواقيين المتأخرين نظره مثاليه idealistic عن العالم , و التى قد نعتبرها أول محاوله للدمج بين المستيكيه الدينيه مع مثاليات الأخلاقيات العقلانيه , مع ذلك أخذت خطوه فى طريق توحيد و تنقية الدين و الأخلاق , و الذى تحقق فى المسيحيه . لم يكن بمقدور الرواقيه أن تحقق هذا , لأن مثاليتها الأخلاقيه كانت مجرده فلا تستطيع أن تكون دينا , و لأن دينها لم يكن خاليا بالكامل من تعدد الآلهه الشائع و وحدة الوجود الطبيعيه .




    لقد لاحظت الرواقيه بكل وضوح التناقض بين الحريه الأخلاقيه للإنسان , و بين اعتماده على الله , و لم تحل هذه المشكله , و لم يكن بوسعها أن تفعل ذلك , لأن حرية الانسان فهمت بالمعنى السلبى فى الانسحاب من العالم الخارجى الى داخل روحه , و ليس بالمعنى الإيجابى الذى يقول بخضوع الانسان للمشيئه الإلهيه المطلقه فى العالم , و لم يظهر التكوين الحقيقى لحرية أخلاقيه و اعتماد دينى قبل المسيحيه , و قد مهدت الرواقيه الطريق لهذا بأكثر من أسلوب ,






    الفصل الثانى : الفلسفه اليهوديه - اليونانيه عند فيلو :






    من أهم الأشياء التى مهدت الطريق للمسيحيه هو اندماج الفلسفه اليونانيه و الدين اليهودى فى القرنين السابقين للمسيح .

    حاول فيلو أن يفسر العهد القديم وفق الفلسفه اليونانيه خصوصا فلسفة افلاطون و الرواقيين , و بالتالى استخدم التفسير المجازى , و هو الأمر الذى كان موجودا قبله , و لكنه لم يستخدم بمثل هذه الجرأه .




    بحسب فيلو , الله مرتفع عن العالم , و لا يمكن أن نصفه بصفه , فهو أكثر من جميل و صالح , و لا يمكن للإنسان أن يعلم ما يصح أن يوصف به و ما لا يصح أن يوصف به , و هو خارج نطاق الزمان و المكان , لا يتغير و لا يحتاج الى شىء .




    و لكن لا يمكن أن تكون هذه نقطة النهايه , فلا بد أن يصف الله ببعض الصفات الإيجابيه الناتجه من علاقته بالعالم , و بالتالى قد أضاف فيلو الى الصفه الرواقيه عن الله بأنه القوه التى تنتج الكل , أضاف اليها الصفه الأفلاطونيه عن صلاح الله و نعمته الذى جعله يخلق العالم . كل صلاح يأتى من الله مباشرة , و كل شر يأتى من الأرواح الخاضعه له و لكن بأمر الله , و هو يبسط يده حتى للخطاه , و لا بد أن فيلو تأثر فى هذا بالنظره الأفلاطونيه عن صلاح الله , و كذلك بالفكره عن الله التى توجد عند أنبياء مثل ارميا و هوشع . و لكن على الرغم من ذلك , فإن هذا الاعتقاد بصلاح الله يتعارض من وجهة النظر العالميه القائله بالثنائيه و التى آمن بها فيلو و كل الناس فى زمنه , و التى تقول أن العالم المادى سىء جدا و لهذا فالله لا يتعامل معه دون وسيط , و قد اعتقد فيلو أنه وجد الحل لهذا فقال أن الإراده الإلهيه يجرى تنفيذها من خلال كائنات وسيطه فوق حسيه , و هى قوى معنويه ( فكر رواقى ) , و أفكار ( فكر أفلاطونى ) , و ملائكه ( فكر العهد القديم ) , و يقول أن من بينها ستة هى الأعلى , و أعلاهم جميعا هو اللوجوس .




    إن مفهوم اللوجوس الذى يعد النقطه المحوريه فى فكر فيلو , يدمج بين الفكر اليهودى عن كلمة الوحى الخالقه , و الفكر الرواقى عن العله الإلهيه الفاعله فى العالم , فاللوجوس عند الرواقيين كما هو أيضا عند فيلو هو المكون للعالم و المحافظ عليه , و لكن اللوجوس عند فيلو يختلف عن اللوجوس الخاص بالرواقيين فى أنه لا يسميه الله و لا مادة العالم , بل يجعله شيئا وسيطا بينهما , و اسمه هو " المولود البكر من الله " و " أقدم الملائكه " و الصوره و المنطوق بوضوح " , و " الإله الثانى " , و هو وسيط الوحى الإلهى منذ الخلق , و النموذج لكل شىء , و القوه التى شكلت الماده الى هذا العالم . و فى تاريخ الانسان و بالأخص تاريخ بنى اسرائيل كان هو الوسيط لكل الوحى الإلهى , و الكاهن الأعلى و الباراقليط ( المحامى ) عن البشر أمام الله .....و هو ليس فقط النموذج , بل المصدر المستمر للخير و الحقيقه فى الإنسان ....هذه الأرواح التى يسكن فيها , و التى يمنحها نفسه بوصفه الخبز الحقيقى من السماء .






    كان تعليم فيلو عن الإنسان يدمج بين الفكر الافلاطونى و الرواقى مع التقليد الكتابى , فقد اتفق فيلو مع نظرة أفلاطون عن الجسد الإنسانى على أنه سجن لروح نزلت من الأعلى , و أنه مصدر الشر و الخطأ , و أراد أن يحدث تناسقا بين هذا و بين قصة الخلق الوارده فى سفر التكوين , فاعتبر أن القصه الوارده فى الاصحاح الأول من هذا السفر تتحدث عن الإنسان السماوى المثالى , بينما الوارده فى الاصحاح الثانى تتحدث عن الإنسان الأرضى الخليط من ملاك و حيوان , و اعتبر أن الإنسان لا يمكن أن يتحلص من عبودية الحس و أن يرتفع الى النموذج الإلهى بقوته الخاصه , بل لا بد من مساعدة القوى الإلهيه و بالأخص مساعدة اللوجوس , الذى ينزل الى الأرواح و يقدسها كهياكل لله .






    و لكن هل تم هذا الاتحاد المنتظر الذى يتحدث عنه فيلو بين الله و الإنسان ؟ , و هل يمكن أن يتحقق فى ضوء النظره الثنائيه البليده التى تصف علاقة الله بالعالم , و التى أخذها فيلو من أفلاطون و ضخمها ؟ . إن مثل هذا الاتحاد يمكن أن يتم فقط فى الوجد غير الواعى , الذى يغوص فيه الفكر المتعقل و الإراده , لأنه فيلو يرى أن الروح الإنسانيه لا يمكن أن تسكن مع الإلهيه , و بالتالى فعلى الرغم من كل الوساطات , يظل التعارض بين الله و الإنسان أمرا مغلقا عند فيلو , و لم يدر بخلده أن الوحى الأعلى للروح الإنسانيه هى حياة الإنسان الروحيه التى تحتوى على الحق و الصلاح .




    و بالتالى فعلى الرغم من أن فيلو يقترب من لاهوت يوحنا , إلا أنه يقف خارج عتبة المسيحيه , فهو لا يعرف شيئا عن " تجسد اللوجوس " , و لكن فيلو مهد الطريق للمسيحيه , حيث اكتسب من اليهوديه الهيلينيه فى الشتات روح الفرديه , و التقوى الداخليه , و نمط أخلاقى عالمى , و مهد الطريق لدين روحى أخلاقى , يرتكز على الوحدانيه , و لكنه يتحرر من قيود اليهوديه .


    تعليق


    • #3
      الفصل الثالث : تمهيد اليهوديه للمسيحيه :






      نمت اليهوديه الفلسطينيه فى القرن الثانى قبل المسيح فى اتجاه معاكس , و انتصرت روح النظاميه و القوميه الضيقه التى زرعها عزرا فى الدين اليهودى على روح التقوى التى قال بها الأنبياء و كتبة المزامير و التى ظلت فى قلوب قلة من اليهود . هذا التعارض كان موجودا فى السابق فى المجتمع اليهودى الذى أسسه عزرا , و لكنه ظل مستترا أثناء الحكم الفارسى و اليونانى , و لم يأخذ منحنى حادا إلا عندما هددت الهيلينيه الثقافه اليهوديه فى زمن أنطيوخوس أبيفانوس الملك السورى . قاد المكابيون الثورة حتى النصر , و منذ ذلك الحين صار الفريسيون هم الداعم الأكبر لهذا , و بالتالى صار الناموس اليهودى حائلا دون اشتراك اليهود فى الثقافه اليونانيه ( تذكر بولس ) .




      و لكن هذا التطور الأخير فى اليهوديه , ينبغى ألا ينسينا أنها لم تكن على هذا الوضع قبل ذلك , فاليهوديه فى القرن الثالث و الرابع قبل الميلاد تميزت بروح التقوى التى يعبر عنها سفر المزامير , و كان هناك مفكرون لهم اتصال بالحضارة اليونانيه , و حلوا ألغاز العالم غير متقيدين بالنزعه القوميه الضيقه , و كان هناك المؤلفون لما يعرف باسم " كتب الحكمه " , وبينما تعتبر النظاميه الفريسيه خطوة سلبيه فى الطريق الى المسيحيه , كانت " كتب الحكمه " هذه و " المزامير " خطوة ايجابية تمهد للمسيحيه .




      تتميز " كتب الحكمه " و المزامير بالنزعه الفرديه , بينما كان الدين فى السابق أمرا يخص كل أمة اسرائيل , و الحديث عن تقوى الانسان و مخافته لله نجده فى هذه المزامير و فى سفر الأمثال و فى سفر سيراخ . لقد كان أنموذجا أخلاقيا لا يعتمد على الناموس الطقسى ( الذى يحترمه الإنسان التقى كأساس لدين أمته ) , و بالتالى نظر لأبناء العالم على أنهم على قدم المساواه مع الوثنيين حتى لو كانوا يهودا بالمولد , و حتى لو حافظوا على الناموس بحسب الظاهر .







      كلما زاد الاعتقاد بعالم أخلاقة لإله واحد , كلما قل الاعتقاد بخصوصية هذا الأمر بأمة اليهود , و بالتالى نرى أن النبى العظيم الذى كان فى فترة السبى الذى يسمى بإشعياء البابلى يصف شعب اسرائيل بأنهم العبد المختار لله , بمعنى أن مهمتهم أن يكونوا معلمين للوثنيين , و ضوءا للأمم , و وسيطا بين الله و الإنسان . و يقول النبى الأخير " ملاخى " أن اسم الله عظيم فى كل مكان بين أمم الشرق و الغرب , و أن الذبائح النقيه تقدم له فى كل مكان , أى أن هناك من يعترفون و يخدمون الله الحقيقى وحده فى كل أنحاء العالم .




      و وفق هذا المعنى , يجعل كاتب سفر أيوب من " غير اليهودى " ممثلا لإيمان أنقى فى الله بالمقارنه بالناموس اليهودى عن العقوبه . و كما فى سفر أيوب , و فى كل أسفار الحكمه التى تنتمى لهذه الفتره , نجد أن اسم الله " جاهفى Jahve " يفسح الطريق لأسماء أخرى مثل " ألوهيم " و " إيل " و " أدوناى " و " إلجون Eljon " , و هى الأسماء التى كانت مستخدمه بين الأمميين . و لم يعد هناك حديث عن اله اسرائيل , بل اله السماء , مما يظهر أن النزعه العالميه لم تكن موجودة فقط عن يهود الشتات , بل أيضا عند اليهود فى فلسطين .




      سبب هذا مشاكل جديده , فقد كان بدهيا فى دين الأنبياء أن الصلاح الإلهى بأن يعاقب أو يكافىء الانسان وفق عمله , و لكنهم اعتقدوا أن هذا يعبر عن شعب اسرائيل ككل , و لكن عندما بدأ الشخص التقى يقارن سعادته أو تعاسته مع حالة الأشخاص الآخرين نشأت مشكله , فهل من الممكن أن يعانى البار و يسعد الشرير ؟ .... كانت الإجابة صعبه فهى لا توجد فى يهودية تلك الأيام و لا فى كلام الأنبياء , و قد كانوا يعتقدون أن السعادة تكون فى أمور أرضيه مثل طول العمر و الأولاد , بينما اعتقدوا أن الفقر و الموت يعبر عن عدم رضا الله عن الخطاه . إنهم لم يكونوا يأملون فى عالم قادم , و بالنسبة للأنبياء و لكتبة المزامير و الأمثال , كان هناك مستقبل دائم ينتظر شعب الله , و ليس الشخص التقى , و بالنسبه لأرض الظلمه " الهاويه أو شيول Hades or Sheol " فلن يكون عودة من هناك , و بالتالى و مع مثل هذه الإفتراضات , كان من الصعب أن التنسيق بين عقوبة الله العادله و بين معاناة الانسان البار .




      الشىء الجدير بالانتباه هو جرأة بعض المفكرين الدينيين , وبالأخص مؤلف سفر أيوب الذى حاول حل مثل هذه الألغاز , فقد جعل أصدقاء الرجل المريض ممثلين للنظريه اليهوديه عن العقاب , باعتبار أن أى ألم ناتج من خطيئه , و بالتالى لا بد أن معاناة أيوب قد تسبب فيها ذنب عظيم خفى , و لكن أيوب يعلن أنه لم يرتكب ذنبا , و أن الله سيحفظ له كرامته حتى بعد مماته , و فى الواقع فقد جعل الكاتب الله يدافع عن أيوب و يدين كلام هؤلاء الأصدقاء و طريقتهم فى الحكم , و بالتالى يفند التقليد اليهودى عن المعاقبه الذى يقيس أخلاق الإنسان بظروفه الخارجيه . و بالتالى يضع الكاتب اليهودى لهذا السفر نفسه فى خندق أفلاطون , فقد اهتم بالصلاح الأخلاقى المطلق فى تصويره للإنسان البار الذى يعانى , الذى يشعر بسعادة داخليه على الرغم من الاضطهاد , و يؤمن أن الله لا يمكن أن يتخلى عن الإنسان البار , و كذلك يقف على نفس هذه العتبه المؤلف للمزمور الثالث و السبعين , الذى يجد ملجأه فى الله هربا من ظلمة العالم .




      فى أى مكان يظهر , فى فلسطين أو فى اليونان أو فى أى مكان , لا بد أن نصف هذا بأنه " مسيحية ما قبل المسيح " , و لكن على الرغم من ذلك , فقد كان ظهور هذه النزعه فى شكل شذرات متفرقه , و ظلت وجهة النظر الأغلب التى آمن بها اليهود هى وجهة نظر أصدقاء أيوب , و لكن التعارض ما بين هذا الإيمان و ما يراه الناس فى حياتهم الواقعيه أصاب الكثيرين مثل مؤلف سفر " حكمة سليمان " بالشك , لدرجة أن قالوا " الكل باطل " .




      كان نمط التفكير المتشكك منتشرا فى الطبقه العليا من اليهود فى القرن الثانى قبل الميلاد , و ساعد على هذا معرفتهم بالثقافه اليونانيه , مما جعلهم يقللون فى نظرتهم لإيمان و عادات الآباء , بحيث جعلت الأرستقراطيه الكهنوتيه ذات التفكير العالمانى فى أورشليم " الصدوقيون " تعرض مساعدتها للملك أنطيوخوس فى تحويل اليهوديه الى هيلينيه , و لكن المكابيين و الأسيديين Asideans ( أسلاف الفريسيين ) أفشلوا هذا , و أدت روح المقاومة هذه الى تقوية روح النظاميه اليهوديه , و التأكيد على أهمية كل الناموس و كل حرف فيه , و الأخذ بالتفسيرات و التقاليد التى قال بها الكتبه عن الحرف , و انخفضت أهمية الأخلاق بينما صارت أعمال القداسه هى أهم شىء .




      و بالتالى لم تعد وجهة النظر الفريسيه عن الأخلاق هى نفس وجهة نظر كتاب المزامير و الأمثال , فقد صار المعيار الحاكم هو قوانين الكتبه , و أخذ مفهوم الثواب شكلا آخر , و صار الارتكاز على الأعمال أكثر من الروح , و اعتبر أن الأعمال الصالحه الفائقه ( خصوصا الإستشهاد ) تملأ الرجال الصالحين بكنز من الاستحقاقات , و الذى يمكن أن تنقل الزيادة منها الى الخاطىء المحتاج , مما يعوض دينه و افتقاده للأعمال الصالحه , و بالتالى نجد فى هذا اللاهوت اليهودى عقيدة وفرة النعمه و التكفير عن طريق القديسين .






      لقد اهتم الفريسيون بالتقييدات اليهوديه , الا أنهم لم يستطيعوا أن يمنعوا أى حركة أخرى , و ظهرت تأملات بخصوص عالم الأرواح , من الملائكه و الشياطين و القيامه و الدينونه الأخيره و مكان العقاب فى العالم الآتى , و بالنسبه لصفات الله مثل الكلمه و الحكمه و الروح و المجد التى كانت تشخص personification فى بعض الأحيان قبل ذلك فى اللغه الشعريه , فقد صارت الآن كائنات شخصية مستقله , مثل رؤساء الملائكه الذين يتوسطون بين الله و العالم , و نمت الفكره القديمه عن الرسل الإلهيين ( الملائكه ) , و صار للملائكه عدة طبقات .




      و كما فى الدين الفارسى , عارض جيش الملائكه جيش من الشياطين تحت قيادة الشيطان , كذلك نفس الأمر نجده فى اليهوديه , و نجد فى سفر أيوب أن الشيطان كان من ضمن الموجودين أمام الله فى السماء , و هو الذى أغوى الآبوين الأوليين , و بسببه دخلت الخطيه و الموت الى العالم , و اعتبر أن المرض من عمل الشياطين , و اعتبر أن الأمم الوثنيه أدوات للشيطان الذى يستخدمهم لمحاربة اليهود . لقد أنعش الدين الفارسى و الدين اليهودى الأمل فى انتهاء سلطة الشيطان , فبحسب الدين الفارسى هناك حرب بين الإله الصالح و الإله الشرير تجرى على أربعة مراحل كل منها ثلاثة آلاف عام , و فى نهايتها سيدان العالم و تدمر الأرواح الشريره , و يظهر المخلص الذى سيقيم البشر , و يخلق عالما جديدا ليس فيه شر .




      لقد وجدت هذه الأفكار طريقا لها الى اليهوديه , و صارت هى المسيطره على صور المستقبل التى تعرف باسم " الرؤى " , و كان اول عمل يظهر من هذا النوع هو " سفر دانيال " الذى يحتوى على فلسفة للتاريخ من وجهة النظر اليهوديه الثيوقراطيه , فى شكل رؤيا توضع فى فم قديس أسطورى عاش فى زمن نبوخذ نصر , و أعاد كاتب سفر دانيال صياغة نبوءة ارميا عن محاكمة السبعين عاما الى سبعين عاما-أسابيع , و حدد نقطة الخلاص فى زمنه فى زمن حرب المكابيين .




      لقد لاحظ فى سقوط الملكيه المقدونيه النهايه القريبه لآخر الإمبراطوريات الأمميه الأربعه , و التى سيحكم بعدها القديسون ( اليهود ) , و يصل تاريخ العالم الى نهاية المطاف , و بالتالى هذا التنبؤ النبوى عن فترة مسيانية مجيدة لليهود التى كانت قد فقدت أثناء الحكم الهيلينى , قد عادت مرة أخرى الى واجهة المشهد . إن هذه الأمور لن تحدث بسبب ظروف سياسيه , بل ستحدث عبر معجزة مفاجئه تنهى على من يعارضون الله , و تجلب مملكة القديسين المرموز لها بإنسان يظهر أمام الله على سحاب السماء .




      لقد ساد هذا الفكر المتشائم المرتكز على الثنائيه الفارسيه فى الفكر اليهودى أثناء القرن الأول قبل الميلاد السابق للمسيح , و ربما أن فكرة القيامه فى الدين الفارسى هى التى أدت الى شيوعها بين اليهود و التى نراها لأول مره فى سفر دانيال , و فى أسفار الرؤى المتأخره مثل " أخنوخ " أضيفت تفاصيل عن أماكن العقاب فى العالم القادم " جهنم " أو " الجحيم " لأرواح الأشرار , بينما الجنه للأتقياء ..... هذه الفكره عن خلود الأرواح التى لا أجساد لها كانت غريبة كل الغرابه على الدين الإسرائيلى القديم , و أيضا نفس الحال بخصوص الإيمان بالقيامه الذى ساد لفترة طويلة فى الدين الفارسى , و مثل نقطة الإلتقاء للفلسفه الأفلاطونيه و الفلسفه السكندريه و الفلسفه الفيثاغوريه الحديثه , و لعدد أخرى من الفرق الغامضه .




      لقد كان الأمل فى النعيم القادم تعزية للمظلومين , و لا عجب أن أن تشتت اليهود ساعد على اعتناقهم لهذا الإيمان , دون أن يتخلوا عن الأمل النبوى القديم عن خلاص أرضى لكل أمة اليهود .





      هذان الفكران , الإيمان الروحانى فى الخلود , و أمل الأمه فى المسيح على الأرض , وجدا جنبا الى جنب دون علاقة بينهما , و جرت محاولة توفيق بينهما بحيث أن الفتره المسيانيه الأرضيه ( ما يسمى بالملكوت الألفى ) لا بد أن تسبق فترة الخلود التى ستلى ذلك .




      هذه الصوره الثنائيه عن المستقبل , لها علاقة باختلاف وجهات النظر بخصوص شخص المسيح , فبحسب رؤيا أخنوخ يعتبر المسيح شخص فوق-عالمى و نصف إلهى " ابن الله الغامض " , الذى كان مخفيا مع الله قبل الخلق , و الذى سينزل من السماء فى وقت محدد ليدين العالم و ينقذ الأمه اليهوديه . فى " مزامير سليمان " التى نشأت فى الدوائر الفريسيه فى منتصف القرن الأخير قبل المسيح , يصور المسيح وفق الصوره النبويه القديمه , أى رجل أرضى من نسل داود يقهر أعداءه بمعونة إلهيه , و سيحكم الشعب اليهودى بقوة و بر .




      من الصعب أن نحدد بكل ثقه مكانة هذه الأفكار الرؤويه المختلفه فى زمن يسوع , و لا بد ألا ننسى أن اليهوديه لم تمتلك قانون مذهبى دوغماتى , كما كان عند الكنيسه المسيحيه فى وقت لاحق , بمعنى قانون يخضع له الجميع و يلزم أن يؤمن به . لقد نظم الناموس الأمور التى يجب فعلها و التى يجب الامتناع عنها , بينما كان الإيمان بإله واحد و بالوحى أمرا مفترضا بالطبيعه , أما بخصوص الأمور الباقيه , فقد منحت حريه فى الإيمان بخصوصها .




      و لو لم يكن الأمر كذلك , فكيف أمكن للصدوقيين التى تمثل الأرستقراطيه الكهنوتيه التى تحتل رأس الهرم الدينى فى المجتمع أن ترفض كل الأفكار الرؤويه عن الملائكه و القيامه و العالم القادم , و أن يقصروا أنفسهم على الناموس المكتوب ؟ ..... أما الفريسيون الذين يدعمهم كافة المؤمنين من غير رجال الدين , كانوا هم حملة الأمل المسيانى للأمه اليهوديه و حملة الأفكار الرؤويه الجديده , و هذا الأمل المسيانى دفعهم الى العمل السياسى , و جعلهم المنافسين الديموقراطيين للصدوقيين الأرستقراطيين .




      كان الأسينيون متميزين عن الحزبين السابقين , فقد شكلوا أخوية دينيه نقيه , فلم يهتموا بالسياسه و عاشوا فى زهد و رهبانيه , و حافظوا على السبت و طقوس التطهير ( أكثر من الفريسيين ) , و قد رفضوا الذبائح الدمويه لأنهم اعتبروا تطهيراتهم اليوميه فى الماء البارد و اشتراكهم فى الطعام صورة أنقى لعبادة الله . لقد رفضوا العبوديه و اعتبروها عمل غير صالح , و احتقر معظمهم الزواج .






      كان يسمح للعرافين و لمن يمتلكون قدرات الشفاء منهم أن يذهبوا للناس , و كان ينظر باحترام الى قدراتهم الطبيه و النبويه .



      كان الأسينيون أيضا يعتبرون القسم أمرا سيئا مثل الحنث .




      و بقدر اهتمامهم بالأخلاق , إلا أنهم قد شاركوا فى الحروب أيضا , نظرا لإيمانهم بخلود الروح التى نزلت من الأعلى , و لإيمانهم بالمجازاه القادمه للأبرار و الأشرار .




      هذا التشابه ما بين هذه العقيده , و بين الفيثاغورثيه الحديثه و التعليم الأورفيوسى عن الروح و عن العالم القادم , يظهر العلاقه بين الأسينيين و هذه الفرق الهيلينيه . هل صاحب هذا التأثير الهيلينى ( الملاحظ فى الأخويه اليهوديه - السكندريه ل " ثرابيوتيس " ) تأثيرات شرقية أخرى , فارسيه أو سوريه أو حتى بوذيه ؟ , من الممكن أن نتجاوز هذا السؤال سريعا بما أن الفيثاغورثيه الحديثه نفسها ربما قد اعتمدت على الغنوصيه الشرقيه .




      هذا التقارب الشديد بين الأسينيه و المسيحيه قيل كثيرا فى الماضى , و نظر الى يسوع نفسه على أنه شخص أسينى , و بكل تأكيد فإن وجهة النظر هذه خاطئه , و من المعترف به عامة هذه الأيام أنها كانت خاطئه , فهذا النظام الكاره للبشر فى النظام الرهبانى , و الخضوع للنظام كما لو أنهم تلاميذ أمام عصا المعلم , كل هذا يختلف جدا عن صورة يسوع التى نجدها فى الأناجيل .




      و لكن و من ناحية أخرى , سنكون منحازين اذا قلنا أن الأسينيه لم تمهد الطريق للمسيحيه , فبجوار الطهاره اهتموا بحرية القلب , و رغم انعزالهم عن السياسه الا أنهم كان يهتمون بآلام أمتهم , و كان الإحسان و الطهاره ركائز أساسيه عندهم قبل فترة طويلة من ظهور المسيحيه , و لا أعرف أى شىء فى العالم القديم , سواء كان يهودى أو وثنى يقترب من المسيحيه بقدر ما تقترب الأسينيه .







      الرجل الذى كان ينتمى الى الأسينيه و لكنه غير خاضع لنظامها هو يوحنا المعمدان , الذى كرز بالتوبه فى برية اليهوديه التى كان يتواجد بها معظم التجمعات الأسينيه . لم يكن هو السابق بمعنى أنه رأى أن يسوع هو المسيح و أنه من سيخلفه , فإن هذا هو التفسير الذى أعطاه المسيحيون بعد ذلك للعلاقة بينهما , و لكنه كان السابق له بمعنى أنه أول من أعلن للجموع اقتراب ملكوت السماوات كدعوة للتوبه , و بالتالى أعد التربه لعمل يسوع .




      اقتنع يوحنا المعمدان مثل الأنبياء القدامى أن " يوم الرب " سيجلب الخلاص للذين أعدوا أنفسهم فقط , أم الآخرون فسيكون مصيرهم مرعبا حتى لو كانت لهم صلة بإبراهيم , و كانت المعموديه هى علامة التوبه , و وسط مستيكى للتطهير من الخطيه , و نعلم أن الأسينيين كانوا يعتبرون أن الغسل وسيلة للتطهير .




      كان الأمل المسيانى هو المحرك لدعوة يوحنا المعمدان , و السبب الحقيقى الذى أدى الى حبسه و اعدامه كما نقرأ هذا عند يوسيفوس .

      تعليق


      • #4
        الفصل الرابع : يسوع :





        يسوع هو بن مريم و يوسف اللذين كان لهما أربعة أولاد آخرين , و العديد من البنات .



        فى الواقع , ليست لدينا معلومات عن طفولة و شباب يسوع , لأن القصص الوارده فى متى و لوقا عباره أساطير دينيه ليس لها قيمة تاريخيه .



        و كذلك الأساطير تستمر فى قصة تكريس يسوع كمسيح فى قصة المعموديه عن طريق صوت من السماء , فهى أيضا قصه أسطوريه و ليست لها قيمه تاريخيه . هل بقية القصه لها أصل تاريخى بعد أن استبعدنا الجزء المعجزى فيها ؟ لا يوجد معلومه أكيده بخصوص هذا , و لكن هذا محتمل , لأنه من الصعب أن يخترع المسيحيون قصة يفهم منها أن يسوع أقل من يوحنا المعمدان , و كذلك فإن محاولة الإنجيلين أن يضعفوا من قوة هذا التقليد يؤكد على أصالته .




        لقد نادى يسوع بنفس دعوة يوحنا , مما يدل على أنها تركت أثرا عليه , و لكن بروح جديده , فيوحنا كان رجلا زاهدا يدعو للتوبه و يخوف الناس من الخطيه و هو أمر لا يلهب الحماس , و لهذا نفهم لماذا لم تحك قصص معجزيه أسطوريه و لا معجزات شفاء عن يوحنا , و هى القصص التى توضح الإعجاب المتحمس بشخصية معينه .... بعكس يسوع الذى دعا الناس الى النعمه بدلا من تخويفهم .




        بخلاف يوحنا المعمدان الذى كان يتوعد الناس بالغضب القادم , كان يسوع بعثا جديده للروح الحنونه التى نجدها عند هوشع و ارميا و اشعياء الثانى .




        ما الذى قصده يسوع بقوله " ملكوت السماوات " ؟ , إن الرأى الشائع أن يسوع فهم هذا المصطلح بشكل يختلف عما يفهمه الناس الذين حوله , سواء كان المقصود مملكه فى السماء بالأعلى , أو نعمة مستقبلية للأرواح , أو حتى تأسيس روحى للبشر من حيث تقواهم و صلاحهم , و لكن اذا كان يسوع قد قصد أى معنى من هذه المعانى الجديده و استخدم فى التعبير عنها هذا المصطلح القديم " ملكوت السماوات " , ألم يكن واجبا عليه أن يوضح قصده الذى أراده بهذا المصطلح منذ البدايه حتى لا يفهم بطريقة مغلوطه ؟ , و لكننا لا نجد أنه فعل هذا , و أيضا يوحنا المعمدان قبله لم يفعل هذا , فقد كان متأكدا أن كل الناس يفهمون قصده الذى أراده من هذا المصطلح . اذن هل قصد يسوع بهذا المصطلح المعنى الذى كان شائعا عند اليهود فى عصره ؟ , أى أن تعمل قوة الله العجيبه , و هو الأمر الذى تمناه كل الأبرار منذ عصر دانيال , بحيث تنتهى الأوضاع المأساويه الحاضره , و تصير الى حالة أفضل على الأرض خصوصا فيما يتعلق بالأمة اليهوديه .




        فى الواقع , هذا ما تؤكده لنا تعبيرات يسوع بخصوص هذا الموضوع , فالتطويبات فى صورتها الأصليه الموجوده فى لوقا ( 6-20 و ما يليه ) , توضح لنا أنه سيكون هناك ترتيب جديد للأوضاع الاجتماعيه فى صالح الفقراء و ليس فى صالح الأغنياء , و هذا يفترض أن الفقراء هم الأتقياء بينما الأغنياء هم الأشرار , و بالتالى يستخدم الكلمات بنفس الطريقه التى استخدمها سفر المزامير .




        هذا المعنى الأصلى للتطويبات فى لوقا , قد جعله متى غير واضح ( متى 5 -3 و ما يليه ) , بسبب التطورات التاريخيه اللاحقه , فقد غير " الفقراء " بمعناها الحرفى الى " الفقراء بالروح " , و " الجوعى " بمعناها الجسدى الحرفى قد جعلها " الجوعى للبر " , و بالتالى طمس المقارنه الأصليه بين الحاضر و المستقبل ليحل محلها مقارنة بين الوضع الخارجى و القيمه الداخليه , و لكن حتى فى مثل هذه الحاله فإن الحديث عن أن الودعاء سيرثون الأرض يكشف المعنى الأصلى لترتيب الأوضاع على الأرض .



        هل من الممكن أن نغفل عن كلمة يسوع المعزيه ( لا تخف أيها القطيع الصغير , لأن أباكم قد سر أن يعطيكم الملكوت ) ( لوقا 12 - 32 ) , و تتكرر النبوءه بشكل مطول فى العشاء الأخير ( و أنا أجعل لكم كما جعلى لى أبى ملكوتا , لتأكلوا و تشربوا على مائدتى فى ملكوتى , و تجلسوا على كراسى تدينون اسباط اسرائيل الإثنى عشر ) ( لوقا 22 - 29 و 30 , متى 19 - 28 ) . هناك أيضا قول يسوع ( لأنى أقول لكم : إنى لا أشرب من نتاج الكرمه حتى يأتى ملكوت الله ) ( لوقا 22 - 18 ) , ( الحق أقول لكم : إنى لا أشرب بعد من نتاج الكرمه الى ذلك اليوم حينما أرشبه جديدا فى ملكوت الله ) ( مرقص 14 - 25 ) .



        لا يمكن فى ظل هذه الأقوال أن تفكر فى شىء آخر سوى أن المقصود هو وضع جديد لبنى اسرائيل , يجلبه الله اكراما ليسوع و أتباعه , و لكن هذه الحقبه الجديده لا ينبغى أن تفهم على أنها شىء يختلف عن الحاضر , و ينبغى ألا يفهم أنه لن يكون فيها طعام أو شراب , فقراءة الأمر على هذا النحو يعد انتهاكا لمنهجية البحث التاريخى .




        دعنا نضيف الى هذا أيضا ما يقال فى الصلاه الربانيه " ليأت ملكوتك " , و لنفسرها كما فهمها التلاميذ و ليس كما يفهمها الناس الآن , دعونا نقرأ من سفر الأعمال ( 1- 6 ) الذى يعد دليلا قطعيا يقودنا الى الإجابه , فالتلاميذ يسألون معلمهم الذى على وشك الرحيل ( هل فى هذا الوقت ترد الملك الى اسرائيل ؟ ) ..... لقد كانت المملكه المسيانيه هى محور آمال و تساؤلات المجتمع المسيحى الأقدم , و الآن هل من الممكن أن نتصور أن هذا كان ليحدث لو لم يكن يسوع قد علمهم هذا ؟ هل كان هذا ليحدث لو كان يسوع علمهم شيئا آخر ؟.....إن الدليل الذى تقدمه لنا مثل هذه التعبيرات دون لبس , لا يمكن أن يعارض بفقرات أخرى تحتمل تفسيرات متعدده .




        فى أمثال الزارع و البذور , جرت محاوله لإثبات أن الملكوت يوجد فى السلوك الأخلاقى , و لكن المعنى الصحيح أنه ينبغى الاستعداد للملكوت القادم عبر الكرازه بالكلمه , على الرغم أن الملكوت لا يمكن أن يعجل بقدومه عمل انسانى , بل ينبغى التحلى بالصبر الى أن يظهر وفق مشيئة الله . و أمثال الكنز الذى فى الحقل و اللؤلؤه الغاليه , تعنى أن ملكوت الله غال جدا بحيث ينبغى على الانسان أن يترك أى شىء فى سبيله , و لكنها لا تقول أن هذه النعمه الأغلى هى مجرد نعمه روحيه تمتلك .




        إن الفقره الوحيده التى يبدو أنها تشير الى وجود روحى للملكوت هى ( لوقا 17 - 20 و ما يليه ) * ( لا يأتى ملكوت الله بمراقبه , و لا يقولون هو ذا ههنا , أو هوذا هناك , لأن ها ملكوت الله داخلكم ) , و لكن هذا التفسير غير صحيح اذا قرأنا السياق بالكامل , فهل يمكن أن يقول يسوع للفريسيين أن ملكوت الله بداخلهم ؟ , و أنه سيأتى دون حدوث أى اضطراب ؟ بينما نجد الأعداد التاليه فى السياق تتحدث عن قدومه كحدث عالمى مدوى , و يقارنه بالضوء الذى يملأ السماوات , أو بفيضان نوح , أو بالنار و الكبريت اللذين أهلكا سدوم و عموره ؟ ..... بما أن وجهة النظر هذه تظهر فى الفقرات الأخرى فى الإنجيل , و تنتمى للتنبؤات الرؤويه فى يهودية ذلك الزمان , فإننا مقتنعون تماما أن هذا هو نفس الرأى الذى اعتنقه يسوع .



        لقد اعتقد يسوع أن الملكوت القادم سيكون حدثا كونيا هائلا , بل و وشيكا , سيقع قبل أن يموت جيله , و قبل أن يكملوا الكرازه فى مدن اسرائيل .






        ان تعاليم يسوع تعكس منعطفا فكريا , حيث أكد على الأخلاقيه الفرديه فيما يتعلق بالمملكه و الدينونه المسيانيه , فعلى الرغم من اقترابه من الفكر اليهودى السائد عن المستقبل , إلا أنه كان يختلف معه فى نقطة مهمه , فإنك لا تجد فى كلام يسوع حديثا عن انتصار الأمه اليهوديه على الأمم الأخرى , و لا حديثا عن انتقامهم من أعدائهم , و هو الأمر الأكثر أهميه فى الفتره المسيانيه عند الآخرين و بالأخص عند الفريسيين .




        عندما يتحدث يسوع عن الدينونه القادمه , فهو لا يتكلم أبدا عن الأمم , بل عن الشخص بمفرده و ما عمله .




        فى إطار هذا الفكر عن الدينونه , فإن فكرة المكافأه تربط بشكل معقد , فهى تستخدم فى العاده كدافع للتضحية و الإحسان و تعزية المضطهدين . إن الأقوال التى تتحدث عن مجازاة من يصلى و يصوم ( متى 6 - 4 و 6 - 18 ) قريبة جدا من الفكره اليهوديه عن فضيلة هذه " الأعمال الصالحه " و بحيث تغرى المرء أن يشك فى أصالتها . و الأمر الذى يلفت النظر جدا , أنه بينما بقيت فكرة المكافأه , إلا أنه رفع قدرها عن الحكم على الأعمال بحسب النظام الى الحكم بحسب الأخلاق .



        بحسب مثل العمال فى البستان , الذين نالوا نفس المكافأه بغض النظر عن قدر عمل كل منهم , لم تعد الأجور مكافأة قانونيه , بل هبه و نعمه ينالها كل من يستجيب للنداء الإلهى .





        إن فكرة أن المسيح أول من سمى الله أبا فكرة خاطئه , ف "هومر" يسمى زيوس أبا لكل الآلهه و البشر , و أفلاطون يمسى الله أبو العالم , و كذلك تحدث سينيكا عن السلوك الأبوى لله , و كذلك فى الدين الاسرائيلى كان الله أبو اسرائيل منذ القديم , و تنسب كتب الحكمه التاليه لفترة السبى علاقة الأب بالإبن ليس فقط الى الأمه الإسرائيليه كلها بل و أيضا لكل شخص مؤمن بحد ذاته , ف "سيراخ " يسميه ( أب و رب حياتى ) , و فى حكمة سليمان و مزامير سليمان يسمى المتقون " أبناء الله " , و يتحدث فيلو عن " الأب السماوى " . كذلك تخبرنا كتابات الأحبار أنه فى زمن يسوع كان تعبير " الأب السماوى " أو " الأب الذى فى السماوات " قد صار بديلا مشهورا لاسم الله القديم الذى لم يعد يستخدم .





        صحيح أن اليهود كانوا يعتبرون الله أبا إلا أن الكثير منهم كان يخاف منه بوصفه القاضى و الحاكم , بينما أراد يسوع أن يؤكد على محبة الله .





        و قد وسع " هاليل " المعلم الفريسى هذا المفهوم , فجعل الحب يشمل كل البشر .




        إن محبة الأعداء علم بها أيضا أفلاطون و بوذا و سينيكا و إبيكتيتوس ....هو أمر صعب و لكنه ليس مستحيلا , و لكن عندما يقول يسوع " لا تقاوموا الشر , بل من ضربك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا , و من أراد أن يخاصمك و يأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا " فلا بد أن نعترف أن هذا لا يمكن تطبيقه فى أى مجتمع , لأنه يلغى كل القوانين , و يمنح من يستخدم القوة العنيفه نصرا سهلا ..... و لكن ما يفسر لنا هذا الكلام هو مزاج ذلك الزمان , الذى يعتقد أن العالم على وشك الإنهيار , و يعتقد بقدوم دينونه محرقه , مما يدفع الإنسان للتخلى عن حقوقه ليضمن مجدا فى العالم القادم .... و أيضا هذا ما يفسر أوامر يسوع لتلاميذه أن يتخلوا عن كل الروابط التى تربطهم بهذا العالم , مثل الممتلكات , بل و حتى الروابط العائليه , و أنت تعرفون قصة الشاب الغنى جيدا التى يفسرها الناس الآن بطريقة روحيه على أنها تعنى التخلى عن الأنانيه و أنها لا تعنى التخلى عن المال فعليا .






        و نفس وجهة النظر السابقه هى التى تفسر كلام يسوع القاسى " دع الموتى يدفنون موتاهم " و " اذا جاء أحد الى و لم يبغض أباه و أمه , و زوجته و أولاده , و أخوته و أخواته , و حياته , لا يستطيع أن يكون لى تلميذا " .... أليست هذه الكلمات غريبه فى فم معلم دعى الى المحبه , و الى قدسية الزواج بحيث لم يجعل فيه إمكانية الإنفصال , و الذى أعلى من قيمة العلاقه الأبويه على الطقوس الشعائريه , و الذى دعى الى محبة الأطفال ؟ ..... لا بد أن نفهم أن صدره كانت به روحان , أحدهما روح المحبه , و الأخرى روح النبوه المتحمسه لملكوت الله التى ترى العالم على وشك التدمير , و أن كل صله بهذا العالم ستنتهى سواء كانت ممتلكات أو عائلات .




        و هذا ما يفسر لماذا لم يتحدث يسوع عن الواجبات الاجتماعيه المفروضه على الزوج و الزوجه , و الآباء و الأولاد , و الحياه فى الدوله , و قوله ( أعطوا ما لقيصر لقيصر و ما لله لله ) لا يعنى بها أن الواجبات السياسيه ترتكز على الدين بل يعنى بها الفصل بين الدين و الدوله بشكل كامل .




        هذه الأمور لا يمكن تفسيرها بأن يسوع أراد أن يترك ترتيب هذه الأمور يخضع لتطور المجتمع المسيحى , فهذا التفسير يتناسى أن يسوع لم يعتقد " بتطور قادم " , بل اعتقد بحادث كونى عظيم هائل يجعل كل شىء جديدا دفعة واحده .... و بما أن التاريخ قد أبطل هذا التنبؤ , فمن الواضح أن أوامر يسوع الزهديه الشديده التى أسست على هذا التنبؤ لا تصلح لنا وفق معناها الحرفى .






        ما الذى اعتقده يسوع بخصوص نفسه و كرازته و عن مكانته فى الملكوت ؟ هذا سؤال صعب , فالأناجيل تتحدث عن يسوع على أنه المسيح و أنه ابن الله و هى المعتقدات التى نشأت متأخرا فى ايمان المجتمع المسيحى , و نقلت للوراء لتصبغ حياة يسوع الأرضيه الذى وضع على فمه أقوالا تناسب هذه المعتقدات , و بالطبع أدى هذا الى وجود تناقضات عديده بين هذه الأقوال و بين المسار التاريخى للأحداث .





        بحسب الإنجيل الرابع , يسوع هو الظهور المتجسد ل " اللوجوس " أو ابن الله , الذى كان مع الله منذ البدء , و كان هو نفسه الها , و الذى رأى التلاميذ مجده من تحت العباءه الأرضيه للإنسان يسوع ( يوحنا 1 - 14 ) , أما بحسب انجيلى لوقا و متى , فيسوع هو ابن الله المولود بطريقة معجزيه , و الذى رحبت به الأرواح السماويه كمخلص للعالم عند ميلاده , و حتى مرقص - على الرغم أنه لا يعرف شيئا عن الميلاد المعجزى - عنده صوت سماوى وقت المعموديه يعلن أن يسوع هو ابن الله الذى سر به - أو المعادل لهذا لقب "المسيح " - و هو الأمر الذى اعترفت به الشياطين , و العديد من المعجزات و بالأخص حادثة التجلى تؤكد هذا .




        كل هذا ينتمى لعالم الأسطوره , و التى سوف نناقش كيف ظهرت فى المجتمع المسيحى لاحقا , و لكن من وجهة نظر تاريخية بحته , من المؤكد أن يسوع لم يكن واعيا بأن له أصل فوق بشرى أو طبيعه فوق بشريه , فقد ظهر كنبى كما كان يوحنا المعمدان قبلا منه , و عمل كمعلم و شاف للأمراض بين شعبه , كما فعل الكثير من سابقيه و معاصريه .




        لقد كانت قدراته فوق الأرواح و الأجسام المريضه على الرغم مما فيها من معجزه , إلا أنها لم نكن قوة الهية مطلقه , بل هى قوه تتوقف على ايمان المريض كما تقرأ فى ( مرقص 6 - 5 ) أنه لم يستطع أن يفعل معجزة واحدة فى الناصره بسبب عدم ايمانهم , و كذلك لم يكن علمه النبوى مطلقا , فهو لا يعلم ميعاد ساعة الخلاص الموعود التى لا يعلمها سوى الآب ( مرقص 13 - 32 ) , بل و بكل نبل انسانى رفض أن يدعى صالحا عندما ناداه أحدهم " أيها المعلم الصالح " ( مرقص 10 - 18 ) .




        لقد وضع نفسه فى نفس الرتبه مع باقى البشر , فقد كان يصلى لله كما لأب , و علم تلاميذه أن يصلوا " أبانا " , و لم يشعر أنه ابن الله وفق أى معنى سوى المعنى الأخلاقى , و الذى دعانا نحن أيضا بحسبه لنكون أبناء الله , و سمى صانعى السلام " أبناء الله " و كذلك كل من يصنع مشيئة الله هم أخوته و أخواته ( مرقص 3 - 35 ) .




        و حتى فى الفقرات التى يذكر فيها لقب " ابن الله " ليسوع وفق معنى فريد , كما نجد فى الصوت السماوى ساعة المعموديه و أثناء حادثة التجلى , و من الشيطان أثناء التجربه , و من الكاهن الأكبر أثناء المحاكمه , فهذه الكلمات فى الأناجيل الاقدم ليست سوى طريقة أخرى للتعبير عن لفظ " المسيح " , و لا تدل على معنى سامق أو ميتافيزيقى .




        اعتمادا على الأناجيل الأقدم , يمكننا أن نعلن أن وعى يسوع بإنسانيته المحضه أمر مقرر تاريخيا , و من الصعب أن نحدد ما اذا كان يسوع قد ادعى لنفسه الكرامه المسيانيه أم لا ؟ و اذا كان قد فعل فكيف ؟ , و لكن على أى حال , من المحتمل جدا أنه لم يدع ذلك فى البدايه , و هو الأمر الذى يستنتج من الأناجيل الثلاثه الأولى , بأنه عند ختام نشاطه فى الجليل , و فى رحلة الى قيصرية فيلبى فى الجوار , سأل يسوع تلاميذه " من يقول الناس إنى أنا ؟ " , فأجابوا يوحنا المعمدان - يقصدون أنه قام من الأموات - و آخرون ايليا , و آخرون واحد من الأنبياء , فقال لهم و أنتم من تقولون إنى أنا ؟ فأجاب بطرس و قال له أنت المسيح ( مرقص 8 - 29 ) و فى انجيل لوقا " أنت مسيح الله ", و فى انجيل متى " أنت المسيح ابن الله الحى " .




        القارىء الذى يقرأ الإنجيل بنظرة تاريخيه سيقف أمام مفترق طرق , فإما أن تكون التعبيرات العديده المسيانيه عن المسيح و الاعترافات التى تقال عنه فى مرحلة مبكرة فى الأناجيل صحيحة تاريخيا , مما يجعل المشهد الذى حدث فى قيصريه من الصعب حدوثه , و إما أن يكون مشهد قيصريه هو الصحيح تاريخيا و تكون تعبيرات هؤلاء الإنجيليين التى تصف يسوع ب " المسيح " منذ البدايه ليس لها أصل تاريخى , بل هى نقل للإيمان اللاحق للمجتمع المسيحى للوراء فى حياة يسوع أو فى فترة نشاطه العلنى .




        إن هذا الموقف فى قيصريه , يتناقض ببلادة شديده مع الافتراضات الأخرى التى تذكرها الأناجيل , مما يؤيد بقوه الصحه التاريخيه لكلام بطرس , و مما يؤيد هذا أيضا الوقت و الزمان المميز .




        من المؤكد أن كمالة القصه تظهر صعوبات جديده , حتى لو قصرنا انفسنا على انجيل مرقص و أهملنا تمجيد بطرس بأنه الصخره التى تبنى عليها الكنيسه ( و هو التعبير الذى ليس له أصل تاريخى بكل تأكيد و لم يذكره سوى متى ) .




        اعتمادا على اعلان بطرس , يحكى مرقص أن المسيح انتهر التلاميذ حتى لا يقولوا لأحد عن مسيانيته , و أنه بدأ يعلمهم ضرورة أن يعانى ابن الإنسان , و أن يرفض من قادة اليهود , و أن يقتل و يقوم من الموت بعد ثلاثة أيام ... هنا ابتدأ بطرس ينتهر المسيح بخصوص هذا المصير , و لكن المسيح قال له " اذهب عنى يا شيطان , لأنك لا تهتم بما لله , بل بما للناس " ... هنا يبرز السؤال فورا , لماذا انتهر المسيح تلاميذه و منعهم أن يتحدثوا عن مسيانيته ؟ , اذا كان يعتقد أنه المسيح , أو لنكون محددين أكثر , اذا كان يعتقد أنه اختير لهذا الشرف , ألم يرغب أن يسمع الناس ايمانه و ايمان تلاميذه ؟ , ألم يرغب أن يشارك أكبر عدد ممكن من الناس فى هذا الإيمان ؟





        فى الواقع فإن المسيح الذى يرغب أن يكون مسيحا فى السر فقط أمر بالغ الصعوبه على الفهم , و هذا يجعلنا نفهم لماذا أن بعض النقاد المعاصرين قد قالوا أن يسوع لم يرغب أن يعتبر هو المسيا , و أن المجتمع المسيحى نسب هذا الشرف زورا للمسيح القائم من الأموات و ليس للمسيح التاريخى , و حاول آخرون أن يحلوا الإشكال فقالوا أن يسوع منع نشر مسيانيته لحكمة تربويه و بعد نظر , لأنه خاف أن يفهم الناس أنه مسيح سياسى , بل أراد هو أن يصير مسيحا روحيا فقط , أو مسيحا سماويا عن طريق موته و قيامته , و لكن هناك صعوبات كثيره تواجه هذه النظريه .... من العدل أن نتساءل ألم يكن أسهل لتجنب سوء الفهم هذا أن يعلن يسوع بوضوح و بجلاء أنه يريد أن يكون المسيح و لكن ليس حسب المفهوم اليهودى التقليدى , و لكن وفق مفهوم جديد روحى أو سماوى ؟





        لا نجد فى أى مكان أنه أراد أن يعطى الفكره اليهوديه التقليديه عن المسيح تفسيرا جديدا , و هو نفس الوضع بخصوص الفكره التقليديه عن ملكوت الله . إلا أن الإحتياج كان لكليهما ليس فقط للناس بل أيضا للتلاميذ , لأن الأناجيل تظهر مدى اشتراك التلاميذ فى الفكره التقليديه الشهيره عن المسيح و الملكوت , على سبيل المثال , عندما طلب ابنى زبدى أماكن شريفه لهم عن يمين و شمال المسيح فى مجده ( مرقص 10 - 37 ) , و كذلك فى الموكب الإحتفالى الذى كان التلاميذ جزءا منه , و فى تكريمه بطريقة مسيانيه , فالتحيه التى تقدم ليسوع هى " ابن داود " أثناء دخوله الى أورشليم , و الفرح ب " الملكوت القادم , ملكوت أبينا داود " ( مرقص 11 - 9 ) .





        اذا افترضنا أن حكمه تربويه و بعد نظر ليسوع هو ما جعله يمنع كل الإعلانات المسيانيه , فلا بد أن نتوقع فى مثل هذا الموقف أن يسوع لم يكن ليدع الفرصة تمر دون أن يخبر تلاميذه و أصدقاءه أن هذه التوقعات خاطئه , و أن يشرح لهم المفهوم السليم للفكره المسيانيه , إلا أنه لم يفعل ذلك فى أى موضع , و لم يحرر عقلى ابنى زبدى من أماكن الشرف فى الملكوت , و لكنه شرح فقط أن الله - و ليس هو - هو من يحدد هذا , و قبل صامتا اعتراف بطرس بمسيانيته و شرف الموكب الملكى , و عند تطهير الهيكل ظهر كمصلح قوى ضد العادات الدينيه , و فى مثل الكرامين الذين ليس لهم ايمان أعلن لذوى السلطه دون مورابه اقتراب نهاية سيطرتهم .




        يبدو لى أن كل هذه الأمور مجتمعة لا تؤدى الى نتيجة أن يسوع رفض الفكره الشائعه عن المسيح كملك لشعب الله , و لا أنه أحل محلها فكرة المسيح الروحانى . إن فكرة المسيح الروحانى الذى يهتم فقط بسلوك الناس , مفتقدا لعناصر الشرف و القوه الخارجيه , كانت غريبة تماما ليس فقط على إيمان اليهود , بل و حتى على ايمان المجتمع المسيحى الأول , الذى آمن أنه بقيامة سيدهم يسوع , قد وضعه الله عن يمينه و بالتالى " جعله ربا و مسيحا " , أى أن الله منحه الكرامه الملكيه و القوه للحكم , و هو الأمر الذى يرتبط دون انفصال بفكرة المسيح .




        يا له من سوء فهم كامل كان عند التلاميذ حتى النهايه , اذا كان سيدهم يفكر بشكل آخر و اذا كان فكره يتركز بالكامل فى مسيح روحانى . هذه الفكره عن ملكوت الله الروحانى هى نتاج لانعكاسات لاهوتيه , بعيدة كل البعد عن المفاهيم البسيطه الواقعيه التى كانت فى اليهوديه و المسيحيه الأولى .





        و بالتالى اذا استبعدنا فرضية " المسيح الروحانى " من تفكيرنا التاريخى , يظل السؤال مطروحا بخصوص وجود تقدم ما بخصوص فرضية " المسيح السماوى " , أى الإفتراض بأن يسوع قد آمن كما آمن المجتمع المسيحى الأول بعد موته , بأنه على الرغم أن يسوع لم يكن المسيح أثناء وجوده على الأرض , إلا أنه قد اختير بعد موته و قيامته , و رفع الى مقام الملكيه الإلهيه لشعب الله , و سوف يظهر على هذا النحو عندما يعود من السماء , و يؤسس مملكته .






        يبدو أن هذه الفرضيه تجد لها دعما فى تلك الفقرات الإنجيليه التى يقال بحسبها أن يسوع قد تنبأ بكل دقه عن آلامه و موته و قيامته و رجوعه على سحاب السماء , و لكن الفحص الدقيق عما اذا كان يسوع قد نطق حقا بهذه الأقوال يسبب شكوكا قويه . إن تكرار النبوءه ثلاث مرات بحد ذاته و زيادة استخدام التفاصيل ( مرقص 8 - 31 , 9 - 31 , 10 - 33 و ما يليه ) يقودنا أن نخمن أن كاتب الإنجيل هو من حول معرفة و آمال المجتمع المسيحى الى علم مسبق بديع و نبوءات على لسان يسوع .




        هل تبنأ يسوع حقا بمثل هذه الأمور ؟ , سيكون هذا أمرا عسيرا على الفهم لأنه لا يوجد أحد فى الدائره الأضيق أو الأوسع من تلاميذه كان لديه هاجس عن موته الوشيك و قيامته التاليه , فقد أتت الكارثة غير متوقعه , و دمرت آمالهم تماما فى التو و اللحظه لدرجة أفقدتهم السيطرة و الشجاعه و جعلتهم يتفرقون الى منازلهم . الى جوار هذا , فإن كتبة الإنجيل أنفسهم يقولون أن هذه النبوءات عن آلام و قيامة يسوع , و التى لا يكتنفها غموض كما هو مفترض , لم يفهمها التلاميذ فى أى وقت , و هذا يدل بوضوح أن المصير الذى يزعم أن يسوع قد تنبأ عنه كان أمرا غير معروف فى دائرة التلاميذ قبل أن يحدث على أرض الواقع , و باختصار , لا يمكن أن يكون يسوع قد تحدث بمثل هذه النبوءات .





        سوف نرى فى مرحلة لاحقه كيف أن تصرفات يسوع فى أيامه الأخيره فى أورشليم , لا تعطيك انطباعا أنه رأى فى موته ضرورة ملحه , و مصيرا الهيا مقضيا به , و بالتالى فمن الواضح أن فرضية أن المسيح توقع " مسيانية سمائيه " أمر لا يمكن الدفاع عنه .




        اذا كانت " المسيانيه الروحيه " و المسيانيه السمائيه " لا يمكن قبول أى منهما , اذن لا بديل سوى أن يسوع لم يرغب أن يكون المسيح بصورة مطلقه , أو أنه تمنى أن يكون المسيح وفق المفهوم التقليدى الشائع .هناك فرضية ثالثه يمكن أن نفكر فيها , و هى فرضية وساطيه , و التى ربما صنعت لتفسر المسار التاريخى للأحداث .




        على أى حال , من المؤكد أن يسوع لم يظهر بإدعاء مسيانى عند بداياته , بل ظهر بكل بساطه كنبى يبشر بملكوت الله القادم , و يعد الطريق له بكلامه , و اعتبر أن هذا هو مهمته الإلهيه , و بسبب هذا أمكنه أن يتجاهل التساؤل بخصوص ما اذا كان الله هو الملك الوحيد المباشر فى هذا الترتيب الجديد للأشياء الذى سيصنعه بقوته ( كما كان متوقعا على سبيل المثال فى العمل الأبوكريفى Assumtio Mosis ) , أو عما اذا كان الله سيستخدم أداة بشرية و و يجعل بشرا هو الملك المسيانى , و أيضا التساؤل بخصوص من سيكون هذا الإنسان .




        إن فكرة أنه نفسه قد يكون هو الرجل المختار من قبل الله , قد تكون بعيدة منذ البدايه , و بالتالى رفض التحيات المسيانيه التى يفترض أن المرضى قالوها له فى فترة مبكرة من عمله ( اذا كان كلام الإنجيل محل ثقه بهذا الصدد ) .




        على الرغم من ذلك , فى الوقت الذى تأثر فيه الناس بقوة أقواله التعليميه و الشفائيه و التفوا حوله , أظهرت العداوه المتناميه للكتبه و الفريسيين أن انقاذ الجوعى و القطيع المبعثر لن يتم من خلال هذا المريع , و بالتالى ربما طاردته الفكره أكثر و أكثر بأنه نفسه قد دعى ليفتتح مملكة الله الخلاصيه عبر اصلاح دينى - اجتماعى . و عندما عرض عليه سؤال يوحنا المعمدان " هل أنت المسيح ؟ " أشار يسوع الى نجاحاته فى شفاء الأجساد و الأرواح المريضه و كرازته بالإنجيل للفقراء .




        إنه بكل تأكيد , لم يرغب أن يكون مسيحا بحسب المفهوم الذى تمناه الفريسيون , أى المسيح الذى سيساعد الأمه اليهوديه لتنتصر على الأمم الأخرى و لتتحرر من الحكم الرومانى , بل أراد أن يكون مسيحا للفقراء و التعساء و الثقيلى الأحمال , و لمن يعانون و يبعدون , و للقطيع الضعيف الذى ينوى الآب أن يعطيهم الملكوت ( لوقا 12 - 32 ) .




        لإتمام هذه المهمه , لن يكون كافيا ما تم فى الجليل , و لا بد من أن يصل الأمر الى قلب السلطه فى أورشليم , و يبدو أن اعتراف بطرس قد أنضج هذا القرار باتخاذ هذه الخطوه الأخيره , و التى سيتحدد على إثرها كل شىء , خطوة جريئه و غرض محدد .




        لم يذهب يسوع الى أورشليم حتى يتم اعدامه , و لم يذهب الى هناك ليحتفل بالعيد , بل ذهب لينتصر على الرؤوساء , و ليظهر المثال النبوى لمملكة الله فى الأمه المجدده , و بالطبع لم يغب عن ذهنه الصعوبات و الأخطار المحدقه , و بالتالى طلب من تلاميذه أن يستعدوا لأية تضحيه . ربما قال فى تلك الفتره " جئت لألقى نارا على الأرض , فماذا أريد لو اضطرمت ؟ , و لى صبغة اصطبغها , و كيف أنحصر حتى تكمل ؟ , أتظنون أنى جئت لأعطى سلاما على الأرض ؟ , كلا أقول لكم بل انقساما " ( لوقا 12 - 49 و ما يليه ) .... هذه لغة مخلصة من بطل يتحرك باتجاه معركة حاسمه و صعبه , مستعدا أن يضحى بكل شىء حتى حياته فى سبيل الله , و لكن لأنه لا يغفل عن احتمالية إبادته , فإنه لا يفكر فيها كأمر حتمى .





        لقد كان يسوع مقتنعا أنه يؤدى عملا لله , و قد آمن بالله الصانع للعجائب و الكلى القدره , الذى يمكن أن يساعده اذا احتاج باثنى عشر فيلقا من الملائكه , اذن كيف لا يكون واثقا من انتصار قضيته على الرغم مما يعترى العقل البشرى من قلق كما قال بطرس ؟..... فى الواقع , فإن قصة رحلة يسوع الى أورشليم و أعماله هناك لا تشير الى مزاجية رثائيه , بل على العكس تظهر الصفة البطوليه لهذا المسعى الجرىء , و الصراع الشجاع , و الأمل السعيد .




        زاد الحشد و الأصدقاء المتحمسون و هو فى الطريق الى أورشليم , عبر أريحا و من هناك الى أورشليم , صارت الرحلة كلها موكب انتصار توج بإثارة الحماسه فى الحجيج المؤمن الذين وجدوا متنفسا فى هذا الصراخ المسيانى المنفجر بالفرحه , و لم يقاوم يسوع أكثر من هذا , و عندما لفت خصومه نظره أن هذه الصرخات تلقى بظلال الريبه , يقال أنه أجابهم " إنه إن سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ " ( لوقا 19 - 40 ) . لقد اعتبر أن حماسة هذه الجماهير عنصر قوه لا يمكن أن يردعها أى عنف بشرى .




        فى اليوم التالى , زار الهيكل , و عندما رأى الباحة الخارجيه يسودها انشغال التجار بالحيوانات التى تقدم كذبائح و بالعملات اليهوديه , طردهم بسلعهم . لقد كان هذا العمل ذا صلة بطقس الذبائح , و بالتالى بدا أن عمل يسوع الإصلاحى يمثل هجوما على طقس الذبائح نفسه , و هجوما على الرؤوساء بطريقة غير مباشره , و الذين كانوا يكتسبون دخلهم و يؤسسون مكانتهم و قوتهم الإجتماعيه على طقس الذبائح .




        و بالتالى , بدأت المعركه , و استمر فيها يسوع فى الأيام التاليه فى حديثه مع الناس , و بكلمات ناريه قرأ سجل خطاياهم على الكتبه و الفريسيين , النفاق و التجاره بالدين , الطمع و الجشع , تحويل الناس الذى يجعلهم أكثر شرا , الفتوى الكاذبه , التوقى من البعوضه و بلع الجمل , الإهتمام بالنظافه الخارجيه بينما فى الداخل نفاق و ظلم , عبادة قبور الأنبياء , و الكراهيه التى بأرواحهم .




        فى مثل الكرام غير المؤمن ( مرقص 12 - 12 و ما يليه ) فهم الرؤوساء أنه جعل الدينونة القادمة على رؤوسهم , فالله سيسترد كرمه و قيادة شعبه و يعطى هذا ل " آخرين " , و هو الأمر الذى يعنى بالطيبعه أن الله سيعطى هذا ليسوع و أصدقائه الذين عينهم الله للملكوت . منذ هذه اللحظه , أراد الرؤوساء أن يتخلصوا من هذا المصلح المزعج , و لكن بسبب خوفهم من الناس الملتصقين به لم يجرءوا على مهاجمته علنا ( مرقص 12 - 12 الى 37 ) , و وجدوا أنه أكثر أمنا أن يقبضوا عليه تحت جنح الظلام و يسلموه للحاكم الرومانى كمدع للمسيانيه و مثير للشعب , و قد علموا جيدا أن الحاكم سينهى الأمر سريعا .




        لقد علم يسوع العداوة المميته التى فى قلوب الرؤوساء , و جهز نفسه لأسوأ الاحتمالات , و لكنه لم يفكر أبدا فى محاكمة إجراميه أمام القاده الرومان . لقد كان على وعى ببراءته من هذه الناحيه لأنه أمر بفصل السياسه عن الدين و الاعتراف بالسلطه الإمبراطوريه ( مرقص 12 - 17 ) .





        هناك موضع فى انجيل لوقا يقود الى النتيجه المحتمله جدا بأنه اشتم الخطر قادما من جهة أخرى , نجده فى رومانسيات حياة يسوع , و التى كثيرا ما يغفل الناس عنها , و لكن لها قيمة كبيرة عند المؤرخ .... عندما كان يسوع يحتفل بوجبة الفصح مع تلاميذه فى الليله السابقه لموته , طلب منهم أن يقتنوا سيوفا على وجه السرعه بأى ثمن , حتى لو اضطر الواحد منهم أن يبيع ثيابه , و عندما قالوا له أنه يوجد معهم سيفان , قال أن هذا يكفى ( لوقا 22 - 36 الى 38 ) . لا يمكن أن نفسر هذه الكلمات بطريقة مجازيه دون تكلف شديد , و لكن اذا قبلناها حرفيا فإنها تعنى شيئا واحدا , أن يسوع اعتبر الحاجة الى السلاح فوريه من أجل الدفاع فى حالة هجوم أناس مستأجرين للقتل .





        هل هناك فكرة أقرب الى الذهن من أن يحاول الرؤوساء التخلص منه بهدوء باستئجار قتلة ليغتالوه , بما أن محاكمة المجرمين لا تقع ضمن سلطتهم القضائيه منذ الاحتلال الرومانى ؟ , لقد أراد يسوع الإستعداد لمثل هذه المحاوله , و كان السيفان يفيان بالغرض . لاحقا فى بستان جثسيمانى , وجد نفسه محاطا بحشد من خدام السلطه و ليس من قتلة مستأجرين , و بالتالى منع التلاميذ من المقاومه ( لوقا 22 - 50 ) .




        إن حديث لوقا عن شراء السيوف يعتبر بكل تأكيد أكثر ثقه من الناحيه التاريخيه , لأنه يتعارض بكل وضوح مع نظرة الكنيسه المتأخره عن موت يسوع التى تصبغ باقى الأوصاف الوارده فى هذا الإنجيل , فإذا كان يسوع قد خاف من الإغتيال فى الليلة الأخيرة من حياته و استعد لها بالأسلحه , فلا يمكن أن يكون قد عرف أو تنبأ بموته على الصليب , و لا بد أن مثل هذه التنبوءات قد وضعت على لسانه بعد ذلك . و نفس الأمر يقال عن الفقره التى تفترض صنع يسوع للخبز و الخمر فى العشاء الأخير , و الرمز بذلك الى جسده و دمه , و سوف نرى بعد ذلك أن هذه الكلمات قد نشأت فى التعليم المستيكى لبولس عن الموت الفدائى للمسيح و الاحتفال المقدس بذلك فى المجتمع المسيحى , و هو التعليم الذى لم يكن موجودا فى المجتمع المسيحى الأقدم , و بالتالى لم يسمعوه من شفتى يسوع .




        إن الكلمات التى قيلت فى العشاء الأخير , و التى تنتمى بالفعل الى التقليد الأصلى , لا توحى بهاجس الفراق أو الموت , بل على العكس انها مفعمة بالأمل فى النصر , و بالتالى فالكلمات التى قيلت عن شرب الخمر فى ملكوت الآب قد جاءت بعدها , و جاء الوعد للتلاميذ أنه سيجلسون على مائدة يسوع تحت ملكيته و يدينون أسباط اسرائيل الإثنى عشر ( لوقا 22 - 18 , 22 - 28 و ما يليه ) . من المحتمل جدا أن هذا المزاج السعيد قد أفسح الطريق لأفكار متجهمه عند هذا المنعطف الحرج , اذا كان نص الصلاه التى قالها يسوع أثناء الخوله فى بستان جثسيمانى قد وصل الينا بصورة صحيحه , و التى تظهر أن روح يسوع قد ملئت بالهواجس القلقه , و لكن تأرجحه بين الخوف و الأمل علامة أخرى أنه لم يفكر فى موته كأمر حتمى .




        يحق لنا أن نفترض أن ثقته بالله الذى يستطيع أن ينقذه بمعجزات و بملائكه كان هو الركن الذى يأوى اليه حتى أثناء الخزى و سوء المعامله التى لاقاها فى يومه الأخير , و أنه لم يفقد أمله إلا عندما صار على الصليب يموت , و عندما كانت الحياة تنحسر عنه , فهنا انفجر راثيا " الهى الهى لماذا تركتنى " .




        هناك فكرة واحدة قد تعزينا فى هذه التراجيديا التى تمزق القلب فى ختام حياته , و هى أن هذا كان الطريق الحتمى للدخول الى حياة أعلى , فإن حبة الحنطه لا بد أن تسقط على الأرض و تموت من أجل أن تنتج ثمرا , و كان على المسيح اليهودى المصلح لشعبه أن يختفى ليعيش " المسيح بحسب الروح " فى إيمان المجتمع المسيحى القادم .

        _____________________

        * كلام لوقا فى ( 17 - 20 و ما يليه ) مأخوذ من الروحنه البولسيه لفكرة الملكوت ( روميه 14 و 17 ) , و الذى وضعه فى فم يسوع فى هذه الفقره , ليصحح فكرة أن الملكوت حادث كونى مذهل الذى كان يوجد فى التقليد الأقدم . و بنفس الطريقه حشر الإنجيلى الكلمه التقليديه عن صلاحية الناموس ( لوقا 16 و 17 ) بين قولين آخرين ليكسر قوة الكلام . هذه الوسيله فى اضافة تفسيرات جديده الى التقليد بحيث لا يسبب اشكاليات كان أمرا معتادا فى المسيحيه المبكره , عندما لم يكن التقليد قد تبلور فى شكل قانونى

        تعليق


        • #5

          الفصل الخامس :التجمع المسيانى :





          تحطمت آمال التلاميذ بعد موت يسوع , ثم فجأه ظهروا يكرزون بقيامته , ما الذى أدى الى هذا التغير الجذرى , و ما الذى أنعش هذه الأرواح المحطمه و أعاد فيها الأمل .





          اننا نجد تناقضا فى وصف يسوع القائم من الأموات , فهو يأكل و يشرب و له جسد محسوس , و فى نفس الوقت يوصف بأنه يجتاز من الأبواب المغلقه و يصعد الى السماء .




          و أيضا تتناقض الأناجيل بخصوص المكان الذى ظهر فيه , ففى انجيل مرقص يقال للتلاميذ أن يذهبوا الى الجليل ليروا يسوع القائم من الأموات , و أيضا فى انجيل متى الذى يذكر قصة الظهور فى جيل الجليل بالفعل , و لكن ليس قبل ذكر قصه مشابهه عن الظهور للمريمتين أثناء رجوعهما من القبر الى المدينه . لوقا يتحدث فقط عن الظهور فى الطريق الى عمواس بالقرب من أورشليم , ثم للتلاميذ المتجمعين فى أورشليم , أنه لا يعلم عن الظهور الجليلى , ليس هذا و فقط بل و أيضا قد ألغى أى احتمالية لوجوده عندما جعل التلاميذ ينتظرون فى أورشليم الى أن تحل عليهم الروح القدس فى يوم الخمسين . يتفق يوحنا مع لوقا فى ذكر ظهورات أورشليم , و مع متى فى ذكر الظهور لمريم عند القبر , و فى النهايه و فى الإصحاح الإضافى ذكر الظهور لبعض التلاميذ عند بحر جينيسارث , و هو الظهور الذى لا يذكر فى أى مكان آخر .




          إن بولس لا يعلم شيئا عن اكتشاف النساء للقبر الفارغ , و لا بظهور الملاك أو المسيح , و لكنه يذكر الظهور لكيفاس و الإثنى عشر و لأكثر من خمسمائة أخ و ليعقوب و لكل الرسل و فى النهايه لبولس نفسه ..... هذا هو التقليد الأقدم , و لكنه لا يتطابق مع التقارير اللاحقه لكتبة الأناجيل .... هذا يكفى ليبين قلة المعلومات التى كانت عند المجتمع المسيحى الأقدم بخصوص هذا الشأن , و أن التقاليد التى وصلت بخصوصه هى أساطير صنعها الخيال الشعرى , و الدفاع اللاهوتى




          هل سننجح أن نصل للحقيقه من خلال هذه الطبقات المتداخله من الأساطير ؟ , ربما يساعدنا على هذا التقاليد الأقدم المستقله التى نجدها عند بولس و مرقص عندما نجدها متفقه . إن مرقص يضع نبوءة على فم يسوع ( مرقص 14 - 27 ) " إن كلكم تشكون فى هذه الليله , لأنه مكتوب , أنى أضرب الراعى فتتبدد الخراف , و لكن بعد قيامى أسبقكم الى الجليل " . و بالتالى يجعل الملاك عند القبر يخبر النساء أن يذهبن الى التلاميذ و يخبرونهم و بالأخص بطرس أن يسوع سيسبقهم الى الجليل , و هناك سيرونه بحسب ما قال لهم سابقا ( مرقص 16 - 7 ) .





          و بالتالى فإن هذه النبوءه التى تنسب ليسوع تؤدى الى نتيجة معينه بخصوص مسار الأحداث التاليه فورا لموت يسوع . لقد شك التلاميذ فى ايمانهم , و تفرقوا و عادوا الى منازلهم فى الجليل , و هناك رأوا يسوع المصلوب لأول مرة حيا , و قد كان بطرس أول من رآه منهم ..... بما أننا نجد أن هذا هو التقليد التاريخى الأقدم , اذن لا بد أن نعتبر أن كل القصص عن ظهورات يسوع فى أورشليم أو بالقرب منها فى أحد الفصح أساطير متأخره , و تفتقد لأى مصداقية تاريخيه , و نفس الأمر ينطبق على قصة القبر الفارغ , و الظهور الجسدى ليسوع من القبر .




          هناك اشارة أخرى عند بولس تؤدى الى نفس النتيجه , عندما يضع ظهور يسوع له ( كورنثوس الأولى 15 - 8 ) على قدم المساواه مع الظهورات الأخرى , و بالتالى يفترض أن كل هذه الظهورات متشابهه , مما يجعلنا نفترض أن الظهورات الأخرى لها نفس طبيعة الظهور الخاص به .





          من المؤكد أن بولس قد اقتنع أنه رأى فى طريقه الى دمشق ليس المسيح بحسب الجسد بل المسيح بحسب الروح , فى طبيعة تشبه أفكارهم عن الملائكه .... مثل هذا الكائن لا يمكن أن تدركه الحواس , بل يدرك برؤية داخليه , رؤيا أو هلوسه , و هو انعكاس داخلى لحالة الروح الداخليه , و هذا يتوافق مع قول بولس أن الله أعلن ابنه فيه , و أن الضوء أضاء فى قلبه , و قول بولس عن الرؤى و الإعلانات أنه سمع ما لا يمكن وصفه من غير استخدام للحواس ( كورنثوس الثانيه 12 - 1 و ما يليه ) .




          و بالتالى لا بد أن نعتبر أن الظهور لبطرس له طبيعة مشابهة لظهور بولس الذى رأى ضوء المسيح السماوى فى رؤيا فى طريقه الى دمشق , و هى تجرية نفسيه معروفه فى كل العصور و ليست معجزه , كم يقول كثير من الناس أنهم رأوا أرواح القديسين و الشهداء بعد موتهم , سواء رأوا هذا فى المنام أو حال اليقظه , و لقد كان بطرس أول من حدث له هذا بسبب عاطفته المفرطه المعروفه عنه .






          إن الأساس التاريخى لقيامة المسيح نجده فى هذا الإنجذاب الصوفى , الذى انبثق من عند شخص ما و اقتنع به الجميع سريعا , و قد اعتقدوا أنهم رأوا فى هذه الرؤى المسيح المصلوب حيا و مرفوعا الى المجد السماوى , و بالتالى ساروا فى الناس يبشرون بمعلمهم الذى ترك تأثيرا كبيرا فى أنفسهم , و يكرزون بأنه المسيح و أن الله قد رفعه للسماء و سيعود و ينشىء مملكته على الأرض .




          لقد كانت هذه نفس الدعوه التى كرز بها يسوع , و لكن هناك اختلاف جوهرى , و هو أن نقطة انطلاقهم كانت هى الإيمان بارتفاع المسيح الى المسيانيه السمائيه , و صارت الكرازه بيسوع القائم من الأموات و الذى سيعود قريبا لها قصب السبق على الكرازه بالملكوت , و رفعت الطبيعه المعجزيه للملك المسيانى فكرة الملكوت الى مستوى أعلى , و صحب هذا توسيع للأمميه المحدوده , و روحنة الطبيعة الأرضيه للملكوت .




          و الآن عندما صارت الحجه التى يعرضونها على الناس هى المسيح القائم من الأموات , و بما أنهم لا يملكون اثبات ذلك من خلال معلوماتهم , ذهبوا الى العهد القديم الذى يتحدث عن انقاذ البار من الموت , و بينما كان المعنى المراد فى العهد القديم هو ألا يموت هذا الشخص صار المعنى الجديد هو التخليص من الموت عن طريق القيامه , و بالتالى يقومون بتفسير هذا على أنه نبوءه عن يسوع ( مزمور 16 - 10 , 86 - 13 , قارن سفر الأعمال 2 - 27 , 13 - 35 ) , و كانوا يفضلون الفقره الوارده عند اشعياء الثانى ( اشعياء اصحاح 53 ) , و استخدموا مزمور 110 ليقولون أنه يتحدث عن جلوس يسوع عن يمين الآب , و كذلك سفر دانيال ( 7 - 13 ) الذى يتحدث عن عودة ابن الانسان على سحاب السماء و الذى يمكن أن يستخدم ليعبر عن عودة يسوع .. هذه الفقره بالذات كانت لها أهمية خاصه عند المجتمع المسيحى الأول , لأنهم رأوا أنها تتضمن كل برنامجهم العقائدى المسيانى و أملهم فى عودة المسيح .




          و بالتالى سريعا ما نسبت هذه الفقرات ليسوع , و لهذا نجد أثناء المحاكمه التى لم يحضرها أى تلميذ بطبيعة الحال بحيث نقول أنه كان شاهد عيان , نجد قولا وضع على لسان يسوع " و سوف تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوه , و آتيا فى سحاب السماء " ( مرقص 14 - 62 ) . بعد أن صار معتادا أن يوصف يسوع المسيح الذى سيعود من السماء , بالاسم الرؤوى " ابن الإنسان " , جرى استخدام هذا المصطلح فى تلك الفقرات التى جعلت يسوع يتنبأ بمعاناته و قيامته القريبه ( مرقص 8 - 31 و خلافه ) , و فى النهايه اكتسب هذا المصطلح معنى التعيين المسيانى ليسوع , و هو المعنى الذى ينسب اليه بطريقة منتظمه فى الأناجيل منذ بدايتها , دون اشارة الى قيامته أو عودته , و هذا له صلة بالإفتراض ( غير التاريخى بطبيعة الحال ) أنه قال منذ البدايه أنه المسيح .





          و بالتالى سار التوجه الدينى للمجتمع المسيحى الأول فى اتجاه تفسير حياة يسوع السابقه فى ضوء الإيمان الجديد عن المسيانيه السمائيه ليسوع , و قالوا أن يسوع سيعود فى مجد مسيانى , و هذا لا يتعارض مع معاناته السابقه , لأن يسوع لم يفاجأ بهذا بل كان على علم به و تنبأ عنه الأنبياء و كتبة المزامير , و أن ما حدث له لا يعتبر تدميرا للآمال المسيانيه .





          و أيضا أثرت نزعة الدفاع اللاهوتى على التقليد الإنجيلى , فأراد الإيمان أن يجد فى حياة يسوع الأرضيه دلائل على مجده القادم كملك و حاكم , و بالتالى ظهرت معجزات تثبت سيطرته على الطبيعه و على الشياطين و أنه معطى الناموس لشعب الله الجديد , و بإعلانات الهيه لا بد أنه أرسى حقيقة أنه ابن الله , الموهوب بقوة الروح العجيبه .




          و بالتالى فقصة تجلى يسوع على الجبل ( فى معناها الأصلى الذى نراه بوضوح فى انجيل مرقص ) هى عرض رمزى لمجد يسوع أثناء قيامته , و تقليد لقصة موسى على الجبل عندما أعطى له الناموس الذى أشرق وجهه من نور الله .... كذلك أيضا نجد تحول يسوع الى شخص نورانى , الذى هو شكله الدائم بعد قيامته , و فى وجود موسى و إيليا اللذين يمثلان الناموس و الأنبياء أعلن صوت سماوى " هذا هو ابنى الحبيب , له اسمعوا " ....هذا يعرض لنا الإيمان الأقدم فى يسوع , الذى يقول أن يسوع بعد قيامته و صعوده للسماء جعل ربا و مسيحا ( أعمال 2 - 36 ) .






          سريعا ما تولدت الرغبه فى رؤية ابن الله ليس فقط فى يسوع الذى رفع الى السماء , بل و أيضا فى حياة يسوع الأرضيه , فقد تساءلوا عن كيفية حدوث هذه المعجزات اذا لم يكن الله مسحه بالروح القدس و القوه ( أعمال 10 - 38 ) ... ثم ظهر سؤال عن متى حدث هذا ؟ , ألم يكن قبل أن يقوم بأعماله العلنيه , و بالتالى رؤى أن حدوث ذلك وقت معموديته من يوحنا المعمدان هو المناسب لإمتلاء يسوع بالروح المسيانيه , و لكن كيف حدث هذا ؟ , هنا ظهرت أسطورة الحمامه التى نزلت على يسوع و الصوت من السماء , و هناك اسطورة أخرى فى انجيل غير قانونى عن ظهور نارى فى نهر الأردن يشبه الظهور النارى للتلاميذ يوم الخمسين , و حكوا أن الصوت الذى من السماء قال ( بحسب صيغته الأصليه ) ما ورد فى المزمور الثانى " أنت ابنى أنا اليوم ولدتك " ,




          ظلت هذه هى الفكره الشائعه لفترة طويله , الى أن حل محلها أسطورة الميلاد العذراوى ليسوع (1 ) , و التى بحسبها قيل أنه لم يكن ابن الله اثناء حياته فقط بل و قيل أنه ولد هكذا بالمعنى الحسى الفعلى , و سوف نعود الى هذه الفكره لاحقا و نرى التـأثيرات الوثنيه التى ساعدت على ظهورها .






          كانت هذه الأفكار لا تزال قريبة من الفكر اليهودى المسيانى , فقد كان اليهود يأملون فى قدوم المسيح و ظهرت كتب رؤى يهوديه تتحدث أحيانا عن المسيح بأنه كائن فوق-عالمى ينزل من السماء , و لكن الاختلاف الوحيد بين المسيحيين و اليهود كان أن المسيحيين رأوا أن كل هذا ينطبق على يسوع الذى صلبه الرومان , و أنه هو المسيح المنتظر من السماء .




          و من هنا بدأ خلاف جوهرى , و هو الربط بين الفكره المسيانيه و بين يسوع المصلوب , مما أكسب هذه الفكره محتوى جديدا , فأفسحت اليهوديه القوميه الطريق نحو طبيعة أخلاقية انسانيه .... لقد كانت فكرة " المسيح المتألم " غير معروفه على اليهوديه حتى تلك الفتره .






          اذا تساءلنا هل كانت هناك مسيحيه فى الدائره الاقدم من التلاميذ ؟ , قد تكون الإجابه أجل أو لا ...فنجيب ب "أجل " اذا قلنا أنهم ارتبطوا فى الإيمان بيسوع كمسيح و رب , و أنه القاضى المستقبلى و المخلص , و الذى سيجلب مملكة الله , و ما داموا يحاولون الإقتداء به ... و لكن من ناحية أخرى لا بد أن نقول أن هذا كان بعيدا كل البعد عن الانفصال عن اليهوديه و تأسيس مجتمع مستقل , و لم يفكروا فى انقاذ الوثنيين .




          إنهم لم يرغبوا فى أكثر من أن يكونوا نواة الإيمان بيسوع فى المجتمع اليهودى , و رغبوا فى تحويل الأمه اليهوديه كلها الى ايمانهم , و شعروا أنهم متربطون بالناموس الموسوى كأساس للدين اليهودى .




          بحسب الوصف الوارد فى سفر الأعمال - الصحيح بلا شك - حافظوا على الأعياد و الطقوس , و يعقوب أخو الرب الذى اشتهر بلقب " البار " , و الذى سمى المسيحيين اليهود " غيورين فى الناموس " ( سفر الأعمال 21 - 20 ) ... لقد تعلموا من يسوع أن يقدموا الجانب الأخلاقى على الجانب الطقسى , و لكن يسوع لم يعلمهم أبدا أن يتركوا ممارسة الطقوس و لم يعلمهم أنه يخلو من المعنى الدينى .




          لم تكن المعموديه و العشاء الربانى بأى شكل من الأشكال عملا تعبديا , أو علامه تميز المجتمع المؤمن بالمسيح , و هى المعانى التى اكتسبتها بعد ذلك ... لقد كانت المعموديه رمزا للتطهير و التكريس , و هى تختلف عن معمودية تلاميذ يوحنا فقط فى نقطة الإعتراف بيسوع , و لم تكن وسيله لإضعاف الارتباط باليهوديه , و قد كانت وليمة المحبه فى المجتمع المسيحى الأول تختلف عن وجبة الأسينيين فقط فى شعورهم برابطة الإخوه الناتجه من الإيمان بيسوع .




          إن الصفه المميزه للمجتمع المسيحى الأول , هى شيوع الملكيه فيما بينهم , و هو ما يذكرنا بالأسينيين , و لكن لم تكن عند المسيحيين بنفس درجة الصرامه , فبحسب سفر الأعمال لم يكن أى مسيحى ملزما أن يتخلى عن أملاكه للمجتمع المسيحى .




          كان فى المجتمع المسيحى الأول بذور التجديد الدينيه و الأخلاقيه , و من أجل أن تنمو بقوه و بحريه كان عليها أن تتخلص من قيود اليهوديه , و كان على البذور أن تلقى خارج قلسطين فى تربة الأديان الوثنيه و الثقافه اليونانيه , التى تمتلك العناصر المهيئه لمثل هذه الخطوه , و باكتساب هذه العناصر استطاعت الروح الجديده أن تنتشر , و تتبلور الى كنيسه مسيحيه .


          __________________________________

          (1) ملحوظه من المترجم : لا نتفق مع العالم أوتو فليدرر فى كل ما يقوله , و لكننا نعرض أفكاره كما هى , و نقول أن هناك اختلاف واضح بين مصادرنا كمسلمين التى نستقى منها معلوماتنا , و مصادر العالم أوتو فليدرر , فعندنا فى القرآن يخبرنا الله أن ميلاد المسيح العذراوى قد أعلن لليهود منذ أول لحظة من مولده , و أن المسيح نطق فى المهد و برأ أمه مريم الطاهره , و لكن العالم أوتو فليدرر لا يجد مثل هذا الكلام فى مصادره , و يجد أن الإعلان عن ميلاد المسيح العذراوى بحسب مصادره قد أعلن فى فترة متأخره من تاريخ المجتمع المسيحى , و بالتالى ذهب الى القول بأنه مأخوذ من الوثنيات .

          تعليق


          • #6
            للرفع

            للرفع

            تعليق

            مواضيع ذات صلة

            تقليص

            المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
            ابتدأ بواسطة د تيماء, 16 مار, 2024, 03:34 ص
            ردود 0
            34 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة د تيماء
            بواسطة د تيماء
             
            ابتدأ بواسطة أحمد الشامي1, 4 ديس, 2023, 07:45 م
            ردود 0
            107 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة أحمد الشامي1
            بواسطة أحمد الشامي1
             
            ابتدأ بواسطة أحمد الشامي1, 3 ديس, 2023, 09:45 م
            ردود 0
            106 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة أحمد الشامي1
            بواسطة أحمد الشامي1
             
            ابتدأ بواسطة أحمد الشامي1, 30 نوف, 2023, 12:50 ص
            ردود 0
            70 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة أحمد الشامي1
            بواسطة أحمد الشامي1
             
            ابتدأ بواسطة أحمد الشامي1, 6 نوف, 2023, 01:29 ص
            ردود 0
            214 مشاهدات
            0 معجبون
            آخر مشاركة أحمد الشامي1
            بواسطة أحمد الشامي1
             
            يعمل...
            X