بولس ضد الأناجيل؟ قراءة نقدية لعبارته: «لا تقبلوا إنجيلًا آخر»
المقدمة
في رسالته إلى غلاطية، يطلق بولس عبارة حاسمة:
> «ولكن إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم، فليكن أناثيما» (غلاطية 1:8).
بهذا التصريح، يضع بولس حدًا فاصلًا يمنع أي صيغة أخرى من الإنجيل، حتى لو جاءت من رسول آخر أو كائن سماوي. لكن عند قراءة النص في سياقه الزمني، ومع مقارنة محتوى إنجيل بولس بما جاء لاحقًا في الأناجيل الأربعة، تظهر مفارقات جوهرية تمس بنية الفكر المسيحي المبكر.
1. الإنجيل عند بولس: إعلان شخصي لا سيرة تاريخية
بالنسبة لبولس، «الإنجيل» ليس رواية مفصّلة عن حياة يسوع، بل رسالة لاهوتية مركّزة تلقّاها «بوحي مباشر»:
> «أعرفكم أيها الإخوة أن الإنجيل الذي بشّرتُ به، ليس بحسب إنسان… بل بإعلان يسوع المسيح» (غلاطية 1:11-12).
إنجيل بولس يدور حول مركزية الصليب والقيامة، ويُقدَّم على أنه مكتمل ونهائي. ومن ثم، فإن أي تعليم لاحق يختلف عنه يُعدّ — وفق معاييره — «إنجيلًا آخر» يستحق اللعنة.
2. إشكالية الترتيب الزمني
ترتيب التدوين في القرن الأول الميلادي يكشف الفجوة:
رسائل بولس: حوالي 50–60م.
إنجيل مرقس: نحو 70م.
متى ولوقا: 80م تقريبًا.
يوحنا: أواخر القرن الأول.
حين صاغ بولس تحذيره، لم تكن الأناجيل قد وُجدت بعد. بالتالي، فإن معيار «الأناثيما» سبقها جميعًا، ما يضع كل رواية لاحقة تحت اختباره الصارم، حتى لو جاءت من شهود عيان لأحداث يسوع.
3. اختلاف جوهر الرسالة
محور إنجيل بولس:
التبرير بالإيمان لا بالأعمال (غلاطية 2:16).
سقوط الناموس كشريعة خلاص (رومية 10:4).
الصليب والقيامة كجوهر الرسالة (رومية 4:25).
محور الأناجيل:
يسوع يصرّح: «ما جئت لأنقض بل لأكمّل» (متى 5:17).
الخلاص مرتبط بالطاعة العملية: «ليس كل من يقول لي يا رب… بل الذي يفعل إرادة أبي» (متى 7:21).
التركيز على الملكوت والأخلاق العملية، مع جعل الصلب جزءًا من الرسالة، لا محورها المطلق.
الفارق ليس في التفاصيل فقط، بل في البنية اللاهوتية ذاتها. وهذا يطرح سؤالًا حادًا: هل يمكن اعتبار روايات الأناجيل، إذا خالفت جوهر تعليم بولس، «إنجيلًا آخر» بحسب عبارته؟
4. تداعيات لاهوتية وتاريخية
إن ثبت أن بولس سبق الأناجيل بإطار فكري مغلق، فإن النصوص اللاحقة إما:
1. تخضع له فتكون مقيدة برؤيته، أو
2. تتجاوزه فتقع تحت لعنته.
في الحالتين، تصبح الأناجيل جزءًا من مشروع بولسي موسّع، لا نصوصًا مستقلة تمثل تقاليد متعددة عن يسوع التاريخي. وهذا يفتح بابًا واسعًا لإعادة تقييم العلاقة بين «الإنجيل البولسي» و«إنجيل يسوع» كما تقدمه الروايات الإزائية ويوحنا.
الخاتمة
عبارة بولس في غلاطية 1:8 ليست مجرد تحذير بل إعلان هيمنة لاهوتية مبكرة، صيغ قبل ظهور أي من الأناجيل الأربعة. هذا يضعها في قلب النقاش حول أصل العقيدة المسيحية: هل نقرأ الأناجيل من منظور يسوع التاريخي، أم من داخل الإطار الذي بناه بولس — الرجل الذي لم يشهد حياة يسوع، لكنه رسم معالم المسيحية الناشئة كما نعرفها؟
المقدمة
في رسالته إلى غلاطية، يطلق بولس عبارة حاسمة:
> «ولكن إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم، فليكن أناثيما» (غلاطية 1:8).
بهذا التصريح، يضع بولس حدًا فاصلًا يمنع أي صيغة أخرى من الإنجيل، حتى لو جاءت من رسول آخر أو كائن سماوي. لكن عند قراءة النص في سياقه الزمني، ومع مقارنة محتوى إنجيل بولس بما جاء لاحقًا في الأناجيل الأربعة، تظهر مفارقات جوهرية تمس بنية الفكر المسيحي المبكر.
1. الإنجيل عند بولس: إعلان شخصي لا سيرة تاريخية
بالنسبة لبولس، «الإنجيل» ليس رواية مفصّلة عن حياة يسوع، بل رسالة لاهوتية مركّزة تلقّاها «بوحي مباشر»:
> «أعرفكم أيها الإخوة أن الإنجيل الذي بشّرتُ به، ليس بحسب إنسان… بل بإعلان يسوع المسيح» (غلاطية 1:11-12).
إنجيل بولس يدور حول مركزية الصليب والقيامة، ويُقدَّم على أنه مكتمل ونهائي. ومن ثم، فإن أي تعليم لاحق يختلف عنه يُعدّ — وفق معاييره — «إنجيلًا آخر» يستحق اللعنة.
2. إشكالية الترتيب الزمني
ترتيب التدوين في القرن الأول الميلادي يكشف الفجوة:
رسائل بولس: حوالي 50–60م.
إنجيل مرقس: نحو 70م.
متى ولوقا: 80م تقريبًا.
يوحنا: أواخر القرن الأول.
حين صاغ بولس تحذيره، لم تكن الأناجيل قد وُجدت بعد. بالتالي، فإن معيار «الأناثيما» سبقها جميعًا، ما يضع كل رواية لاحقة تحت اختباره الصارم، حتى لو جاءت من شهود عيان لأحداث يسوع.
3. اختلاف جوهر الرسالة
محور إنجيل بولس:
التبرير بالإيمان لا بالأعمال (غلاطية 2:16).
سقوط الناموس كشريعة خلاص (رومية 10:4).
الصليب والقيامة كجوهر الرسالة (رومية 4:25).
محور الأناجيل:
يسوع يصرّح: «ما جئت لأنقض بل لأكمّل» (متى 5:17).
الخلاص مرتبط بالطاعة العملية: «ليس كل من يقول لي يا رب… بل الذي يفعل إرادة أبي» (متى 7:21).
التركيز على الملكوت والأخلاق العملية، مع جعل الصلب جزءًا من الرسالة، لا محورها المطلق.
الفارق ليس في التفاصيل فقط، بل في البنية اللاهوتية ذاتها. وهذا يطرح سؤالًا حادًا: هل يمكن اعتبار روايات الأناجيل، إذا خالفت جوهر تعليم بولس، «إنجيلًا آخر» بحسب عبارته؟
4. تداعيات لاهوتية وتاريخية
إن ثبت أن بولس سبق الأناجيل بإطار فكري مغلق، فإن النصوص اللاحقة إما:
1. تخضع له فتكون مقيدة برؤيته، أو
2. تتجاوزه فتقع تحت لعنته.
في الحالتين، تصبح الأناجيل جزءًا من مشروع بولسي موسّع، لا نصوصًا مستقلة تمثل تقاليد متعددة عن يسوع التاريخي. وهذا يفتح بابًا واسعًا لإعادة تقييم العلاقة بين «الإنجيل البولسي» و«إنجيل يسوع» كما تقدمه الروايات الإزائية ويوحنا.
الخاتمة
عبارة بولس في غلاطية 1:8 ليست مجرد تحذير بل إعلان هيمنة لاهوتية مبكرة، صيغ قبل ظهور أي من الأناجيل الأربعة. هذا يضعها في قلب النقاش حول أصل العقيدة المسيحية: هل نقرأ الأناجيل من منظور يسوع التاريخي، أم من داخل الإطار الذي بناه بولس — الرجل الذي لم يشهد حياة يسوع، لكنه رسم معالم المسيحية الناشئة كما نعرفها؟